عبد القادر كعبان - الجزائر
غابرييل غارسيا ماركيز: صورة إنسانية للواقع
غابرييل غرسيا ماركيز: روائي من كولومبيا. فائز بجائزة نوبل للآداب عام 1982. من أشهر رواياته: مئة عام من العزلة. الحب في زمن الكوليرا.
إنه لمن النادر أن نجد اليوم عمالقة يؤثرون في حياة الآخر كما أثر هذا العملاق غابرييل غارسيا ماركيز الكولومبي الأصل، الذي قادته روايته الشهيرة مئة عام من العزلة لأن يصبح في مصاف من دخلوا باب العالمية.
ولد ماركيز سنة 1928 بمدينة أركاتكا في كولومبيا. ولأن والديه كانا مكافحين تتدافعهما رياح الفقر، آلت الكفة إلى جديه للقيام بتربيته. وقد فتن ماركيز بروائع جده من القصص التي كان يحكيها له. وكان شغوفا أيضا بأساطير جدته.
الخراب الذي حل بمدينة ماركيز، والعزلة التي أطاحت بأقرب الناس إليه –جديه- وكذا ابتعاده عن والديه، كان عاملا مهما انعكس من خلال إبداعه الأدبي الخالد. وكانت له علاقات وثيقة مع عمالقة أمثال الشهيد العالمي إرنيستو تشي غيفارا، الشخصية الثورية الفذة، والثائر الكوبي، فيديل كاسترو. كما شهدت حياته تغيرا كبيرا من خلال وقوع يديه على كتب رائد الكتابة الكابوسية المشهور فرانز كافكا.
عرف ابن مدينة أركاتكا الكولومبية الفقر على حقيقته، فاضطر للعمل في مهنة المتاعب، الصحافة، التي يراها كالعلق المصاص للدماء، غير أنها شحنة كهربائية للمثقف توقظه على الحدث اليومي.
فتحت له صحيفة الهيرالدو صفحاتها من خلال نشر كتاباته عبر أعمدتها، وبالرغم من ذلك ظل سجين فضاء قفص كتابة القصص الخيالية. لكن سرعان ما داهمته موجة الحيرة وسكنه القلق ليدفعه للاستقالة. عاد بائعا للموسوعات رفقة صديق مقرب في لاغواغيرا، وبعدها قرر العودة إلى كتابة المقالات والقصص عبر فضاء صحيفة الإسبيكتادور.
ثم اتجه إلى الرواية، عالم النفس الطويل، وكله إيمان أن الانطلاق من عالم الصحافة نحو عالم الأدب يفترض التأمل والاستقصاء والتأليف، وبالتالي الجهد والصبر والشجاعة والمثابرة لأنه مرآة تعكس ظروف الإنسان ومآسيها.
أحب ماركيز الإقامة ببرشلونة الإسبانية لتفتحها ودفئها، فهي في نظره عين الأفكار الحافزة للطموح ومنبع الحرية، وهذا ما تعكسه سطور ماركيز وكلماته، فهو ليس لجوجا ولا يتلهى بعرض أفكاره، بل يمر بها مرور الكرام وبأسلوب تلفه الجرأة ويلبسه الوعي.
ظل غارسيا ماركيز متفائلا، يعيش فقيرا في جلباب أمه حتى أنارت له الرواية الخالدة مئة عام من العزلة(1967) درب الشهرة والمال. استوحى ماركيز الرواية من عالم قريته الصغيرة (أركاتكا)، الواقعة في منطقة حارة تتلاطمها أمواج البحر وكثبان الرمال، حيث حمل ماركيز على عاتقه تحرير قريته التي صارت (قرية ماكوندو) والتي تعكس حالة المعذبين في الأرض لتصبح صورة إنسانية لواقع معاش. وكانت ماكوندو المرآة التي عكست ذكريات طفولة هذه الشخصية الأدبية العالمية التي تحدثت عن العنف والحرب وضياع المبادئ بين أمواج الثورات الدامية والخلافات الأيديولوجية لتلك الفترة.
ويرى صاحب رائعة الحب في زمن الكوليرا (1985) أن التقدم لا يكمن في كتابة روايات حسنة الشكل لأن المبدع ملزم بذلك، بل على الكاتب الثوري أن يثور لكتابة رواية ذات مضمون جيد.
- غلاف: غابرييل غارسيا ماركيز