عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

ياسمينة صالح - الجزائر

كل ثورة وأنت لي


وأنا أغتسل من غموض يولد في الفضاء، كلما بدا لي الطريق طويلا، استعادت خطاي ريح الشمال من ملح الجهة الوحيدة التي شدتني من ضلوعي إلى شمسها، لأمشي أكثر حرقة، وأقل رغبة في البكاء. قال لي حين داهمني الحزن المسائي: "لماذا لا تتوقفين عن التساؤل، وأنت تعلمين أن الأسئلة تقتل الإجابات السهلة، كما يقتل الصمت حوارا جميلا؟" لم أقل إن الأسئلة توقظ العشب في أرض موغلة في الخراب، توقظ الشمس في ظهيرة كئيبة حد اليأس، وتوقظ تلك الفكرة الوحيدة التي تصنع منا واحدا عندما نكون أقل اقترابا وأسوأ حالا من مرضى في مستشفى عمومي. هل قلت لك إنني أحبك حين تثور، وأكرهك عندما تجلس شارد الذهن، غير آبه بحمامة تحط على حبل الغسيل في سطح الجيران المقابل لشرفتنا، غير آبه بمروري أمامك معبأة بالخيبة، والانتظار المزمن لشيء خرافي قد يحدث فجأة، ليكسر شيئا سئمناه أنا وأنت؟ أكره أسئلتي التي أحاول بها جرك إلى حوار سرعان ما يقطعه صمتك، وقلة حماسك إلى الكلام فجأة. أكره نفسي عندما أظل أشحذ منك لحظة أريدها مشتركة وخاصة جدا غير قابلة للشك.

* * *

كل ثورة وأنت لي. ونحن ننظر إلى أخبار الثامنة في التلفزيون، ووجه المذيع يخدع كلامه، كنت أرغب في قول شيء عندما جاءني صوتك غاضبا:

"على من يضحكون هؤلاء الأوغاد؟ كل شيء يوحي بثورة قادمة وعارمة، ألا يرون ما يدور حولهم؟"

لا أعرف لماذا رغبت في الابتسامة، وأنا أنظر إليك غاضبا. لمحت ذلك البريق في عينيك، وتلك النقطة السوداء الصغيرة على ذقنك بدت لي واضحة أكثر من السابق. هل يمكن تنبؤ الثورة يا سيد الأوجاع؟ وما الثورة أساسا خارج مطالبنا أنا وآنت؟ وخارج أحلامنا أنا وأنت؟ قبل عامين، سألتني: "ما هي أجمل أحلامك؟" قلت لك وقتها: "أنت." بدا وكأن ردي راق غرورك الشخصي، وأنت تتحول من رجل واحد، إلى حلم كان يبدو لي حميما وجميلا ومهما وحارا. ما زلت أشعر بيني وبين نفسي أنك حلمي الأجمل، وأنني أبدو أحيانا ثورتك السهلة، التي تحولت مع الزمن إلى خسارة نتشارك في إسقاطاتها أنا وأنت، في غياب أطفال ترى أنهم كانوا سيعززون استمرارنا في التعايش، حاكما ومحكوما به.

هل تبدو لك الثورة حلا جذريا كما تبدو لي اليوم بالذات؟ لن أثور لأجل الخبز ولا لأجل السكر والزيت كما ثار الناس قبل أسبوعين في مدينتي، بل سأثور لأجل أشياء أراها حتمية كالحق في العيش دون أن أخسر قلبي وكرامتي معا، والحق في أن أتنفس دون أن أختنق بلا سبب، والحق في الكلام دون أن يوقفني ضجرك اليومي. ربما تبدو مطالبي شعبية في النهاية، بعد أن تستوعب أن قانون الطوارئ الذي فرضته على حياتنا لم يعد يخيفني، ولم يعد يثنيني على أن أبدو في حضورك أقل رغبة في التنازل أكثر مما تنازلت.

* * *

كل ثورة وأنت لي. تذكرت أمام صمتك والدي، يوم عاد إلى البيت محبطا، بعد أن فشل في الوصول إلى مسؤول في البلدية كان يظن أنه سيحل له مشكلته الصغيرة. كانت مشكلة والدي تقتصر على بيت صالح للسكن، يلمنا فيه، فقد كان يرى في حلمه شيئا مصيريا، وهو الذي شارك في طرد المستعمر من البلاد، ونال لقب "ثائر" ليصبح اللقب أشبه "باللعنة". كان أبي حزينا، لأنه راهن على حلمه البسيط، وخسر رهانه. قال لي يومها وهو يخفي دمعة تدحرجت على خذه: "الأحلام لا تموت أبدا." ومات أبي حاملا معه حلمه البسيط.

يا سيد الأحلام المؤجلة، كل الثورات تليق بي اليوم. كلما ارتفع صوت الحق، كلما انتبهنا إلى قيمتنا إزاء بعض، وإلى حرصنا على البقاء، أو على الابتعاد بأقل الخسائر الممكنة، فالحب معناه أن تكون أنت في كل حالاتك، بما فيها الأكثر سوءا، والأكثر حزنا، والأكثر قدرة أو رغبة على الانفجار، دون أن تبرر ذلك لأحد.

* * *

كل ثورة وأنت لي، والغد يبدو مقبلا. سوف نكتشف أن النهار مبهر حين نستوعب حقيقة أننا خلقنا أحرارا، وأن القيود التي كبلتها صنعتها الظروف بتواطؤ مباشر منا أنا وأنت، فالثورة معناها أن تقتل الخوف في قلبك وتجري بعيدا عن ظلك.

D 1 آذار (مارس) 2011     A ياسمينة صالح     C 0 تعليقات