عــــــود الـــنـــــــد

فيروزتان

وقفت الصبيتان أمام الواجهة الزجاجية لمتجر ملابس وهما تتأملان ثوبا فيروزي اللون وكأنهما تبحران في تموجات أطياف ألوانه نحو حلم مبهم المعالم تتراءى في غموض معالمه ومضات من أمنياتهما حتى نسيت كل منهما حضور الأخرى.

تراءى لإحداهما شراع زورق يبحر بها نحو شاطئ بعيد يظلله النخيل وأحد ما يلوح لها وحولها نوارس وهي ترتدي وشاحا مطرزا باللؤلؤ والفيروز.

وأبحرت الصبية الأخرى في زرقة الثوب نحو شاطئ صخري تتلاطم الأمواج على صخوره وهي ترتديه مزينا بعقد من الأصداف النادرة حالمة بعالم يلبي طموحاتها وهمهمات أحلامها.

انتهت لحظات الإبحار في زرقة الثوب بلمحة، فدخلتا لشراء ثوبين من اللون المعروض على الواجهة، وغادرتا مزهوتين بامتلاك حلم ما تشبه همهماته المبهمة بوح الأصداف، ثم اتفقتا على اللقاء في نهاية الأسبوع لحضور فيلم سينمائي روجت له وسائل الإعلام.

مضت السنون، وفرقت بينهما تيارات الحياة المتدفقة نحو وجهات متعددة وتعذر اللقاء بين الصديقتين وإن بقيت ذكريات صداقتهما وصباهما تومض بين أعباء الحياة وهمومها مثل منارة تضيء وجهة السفن في ليل شتائي.

بعد عمر مر التقت الصديقتان لتكتشفا وهما تضيئان زمنا هانئا مضى أن الحياة التي عاشتها كل منهما ليست سوى لحظات من الذكريات الجميلة التي تتأرجح مثل فيروزة معلقة بسلسلة ذهبية تتأرجح على جيد صبية حالمة.

::

زيارة قصيرة

أزهرت الشرفة بحضور من جمعتهم الصداقة والقرابة وقد ملأت أحاديثهم وضحكاتهم المكان بعد العصر في ذلك الصيف وهم يستظلون بالدالية التي نضجت عناقيدها وتدلت مثل ثريات صغيرة تحتفي بأنس المكان.

مدت الياسمينة أياديها الخضراء وزهراتها العطرة، ولطالما أكرمتنا بالعقود التي تزينا بها، وملأنا بها الأطباق الصينية في غرف الدار.

حينما مالت الشمس للغروب، فجأة صمتنا جميعا وقد أصابتنا غصة الغروب في لحظات، وبدأنا نستذكر وهج من رحلت قبل أن يعقد ثمر ثريات الدالية.

وبين دمعة وضحكة خجولة وذكريات غالية لمن ملأوا زمننا في ربيع العمر بحضورهم، عبق المكان بعطر لم يكن أحد من الحضور يتعطر به سواها لكنه كان مختلفا.

التقت أعيننا فجأة وقد انتابتنا حالة تشبه حالة صوفي اتسعت رؤيته فضاقت عبارته.

قلنا بصوت واحد: شهيدة الأرض الطيبة بيننا. هلا بالحبيبة ندى الورد.

تيار من رائحة عطرها غمرنا جميعا وكأنها تضمنا وهي تمر بيننا، ثم تلاشت رائحة عطرها رويدا رويدا بعد زيارة قصيرة.