عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: غالب هلسا - التعميم

وقف الحملات الإعلامية


غالب هلسا =1=

في الاجتماع بين المنظمات الفلسطينية، جرت أحاديث عما تم، وأسئلة لم يجب عليها، واتفقوا على شيء واحد: وقف الحملات الإعلامية. تعهد الجميع أن يضعوا أيديهم على الأزرّة، وإيقاف الحديث عن الخلاف. الأجهزة سوف تطيع. إنها مجرد أجهزة صماء لها يراعات لكنها بدون عقل.

=2=

وقد كان هذا كشفا لنا، نحن العاملين في الفكر. كنا أجهزة تُعبّأ، فتقوم حملة إعلامية. وأجهزة تدار على العكس، فتتوقف الحملات الإعلامية. وأصبح ما نقدمه إعلاما، لا فكرا ينتج. تصدر لنا الأوامر أن نشتم فنشتم. وتصدر أوامر أخرى أن نصمت فنصمت.

إذا كان هذا موقف قادة الفصائل منا، فما هو موقفنا من أنفسنا، نحن العاملين في مجال الفكر؟

سأتحدث عن نفسي، وأرجو أن أكون –في هذا- ناطقا باسم زملائي العاملين في نفس المجال.

حين يضع الكاتب نفسه في وضع يطلق عليه "جهازا إعلاميا" فهو يوافق على أن يصبح أداة منفّذة. هناك من يفكر عنه. أما هو فيطيع الأوامر. ومعنى هذا أنه ليس صاحب رأي، ولا موقف، بل مسمارا في آلة.

إنه بهذا يلغي نفسه كإنسان أساسا، ولا يرتفع أبدا إلى مستوى المفكر، لأن باب الاجتهاد أمامه مغلق. وأسال نفسي: كيف وصلت، أنا، إلى هذه الحال؟

أتذكر أني نشرت في مجلة الآداب اللبنانية، وقد كنت أعيش في مصر، في الستينات سلسلة من المقالات تحت عنوانين: التراث والتقدم، والثورة والأنموذج.

وعندما انعقدت في موسكو عام 1965 ندوة كتاب آسيا وأفريقيا، في هذه الندوة، وقف أحد المفكرين السوفييت وتحدث خلال جلسة كاملة عن هذه المقالات. وقل إنه قد اقتنع أن طبقة رأسمالية طفيلية تقف على قمة السلطة في مصر، وإنها ستقود مصر إلى الرأسمالية والارتماء في أحضان الغرب. قال ذلك استنادا إلى هذه المقالات.

وكان الوفد المصري مكونا من السادة سعد وهبة ويوسف إدريس وفتحي غانم، فأعلن انسحابه احتجاجا.

وفي مصر أيضا، تجمّعت في عام 1976 كل القوى الحية في مصر في ندوة تدين سياسة السادات. وقد ترأست هذه الندوة، وتم سجني وطردي من مصر.

وفي العراق، لم يطلب مني أحد أن أقول كلمة واحدة لا أؤمن بها. في أوج الحملة على الشيوعيين العراقيين، أجرت جريدة "المحرر" المغربية حديثا قلت فيه إنه في كل عشر سنين تقوم إسرائيل بهجوم تحطم فيه الإنجازات العربية في الاقتصاد والجيش. وفي كل عشر سنين، يجيء موسم الحصاد، إذ تقوم الحكومات العربية باعتقال وقتل وقمع زهرة شباب الأمة.

والآن جاء موسم الحصاد في العراق، وأنا الذي كتبت عن رواية جبرا إبراهيم جبرا "السفينة" دفاعا عن الشيوعيين. لقد اتصل بي طارق عزيز، وقد كان وزيرا للإعلام، وشفيق الكمالي، الذي كان رئيسا لاتحاد الأدباء العرب، وناصيف عواد، مدير مكتب صدام حسين، حتى لا أنشر المقال. ورفض الحزب الشيوعي العراقي نشره، ولكنني رغم ذلك نشرته.

وحين كتب طارق عزيز مقالا يفتتح فيه الحملة على الشيوعيين، ويبرر أسبابها، كان الذي رد عليه هو أنا، وليس الشيوعيون. ورفض الشيوعيون العراقيون نشر ردي الطويل جدا قائلين: "نفعل ذلك لسلامتك".
رغم هذا لم توجه السلطات العراقية كلمة واحدة لي، ولم يتخذوا أي إجراء ضدي. ورغم هذا، غادرت العراق لأنني اعتبرت مجرد وجودي هو نوع من التواطؤ.

والحديث يطول. وليس هذا مجال الافتخار، ولكنه مجال تحديد المواقف، فأنا أواجه إهانة مزدوجة: أنني كنت جزءا من حملة إعلامية، وأنه أيضا يمكن إسكاتي بقرار. وما هو معنى قرار الإسكات؟ إنه من المطلوب أن يتوقف عقلي عن العمل فترة من الزمن.

= = =

مجلة التعميم: العدد 58، الثلاثاء، 1 أيار (مايو) 1984. ص 20.

D 1 أيلول (سبتمبر) 2022     A غالب هلسا: مقتطفات     C 0 تعليقات