عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: غالب هلسا - الأردن

تيسير السبول وروايته أنت منذ اليوم


أدناه مقتطفات من كتاب الناقد والروائي الأردني، غالب هلسا، عنوانه «أدباء علموني ... أدباء عرفتهم». جمع وتحقيق ناهض حتر. الناشر: دار التنوير العلمي (عمان) والمؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت) 1996. المقتطفات من فصل يتحدث فيه هلسا عن الروائي الأردني، تيسير السبول (1939-1973)، وتحديدا روايته «أنت منذ اليوم». ويتطرق في الحديث إلى دور الأدب.

غالب هلساومأساة تيسير هي مأساة الشباب العربي، الذي تم إدخاله في دائرة شريرة ومفرغة. ولكنها صادفات في تيسير حالما كبيرا ذا حساسية مرهفة فكانت الفاجعة.

إن الشباب العربي، وتيسير بشكل خاص، قد تخلى عن مسلمات مجتمع متخلف، واتخذ بدلا منها مسلمات الديماغوجية السياسية، اليقين والامتثال نفسيهما. قال له الديماغوجيون: "إن الأهداف الكبرى للعرب: الوحدة والديموقراطية في أعلى أشكالها، والعدالة الاجتماعية والرفاه، وسحق الأعداء، سوف تتم بسرعة، ودون جهد كبير".

من خلال هذه الديماغوجية، بنى صورة جميلة لعالمه المقبل الذي سوف يتحقق بسرعة ودون جهد. والسمة الأساسية للديماغوجية أنها تبسيطية، تغفل أو تجهل تعقيدات الواقع، ومن ثم تقفز من فوقها. رأى تيسير وشباب جيله أن الواقع لا يطيع حلمه فانساق إلى الرؤية العبثية المضحكة، حيث فقد كل شيء معناه، وأصبح مضحكا.

[...]

تيسير السبولنتبين أهمية التقنيات التي استخدمها تيسير في "أنت منذ اليوم" رباطا بينها وبين مسألتي: وظيفة الأدب، وجماليته. إحدى وظائف الأدب، وأخطرها أنه يجعلنا نعيش تجارب حياتنا اليومية مرة أخرى، ولكن برؤية وفهم مختلفين.

إن تجاربنا اليومية مستلبة لأنها محالة دوما إلى إطار مرجعي متكلس، فقد مضمونه الواقعي وأصبح شكلا فارغا، وأعني بالإطار: المسلمات الاجتماعية.

يكفي أن نطرح على الموضعة الاجتماعية سؤالا منطقيا واحدا حتى يتكشف لنا فراغ هذا الشكل الميت. إن لهذا الشكل بالطبع مضمونه، ولكنه أولا ليس ما يدعيه، وثانيا مضمونه الأساسي مضمون قمعي.

مثال ذلك أننا نوافق أن تعمل الفتاة موظفة. وقد يكون من مقتضيات عملها أن تجلس مع واحد من زملائها في حجرة واحدة مغلقة، لا يدخلها أحد إلا بإذن. ذلك مقبول تماما. ولكن حين يدعوها هذا الزميل إلى شرب فنجان قهوة في مكان عام، فإن موافقتها تصبح فضيحة. هذا هو منطق المواضعة الاجتماعية: الخلوة مع رجل لست ساعات يوميا أمر مقبول، والجلوس في مكان عام أمام مئات الأعين شيء مستنكر.

ما هو المضمون الحقيقي لهذه المسلمة المتناقضة؟

وراء ذلك استعباد المرأة واعتبارها وسيلة إنتاج بلا حقوق. فخلوتها مع الرجل تأتي بالمال، وجلوسها في مقهى يحقق العكس، ويعطيها حق الراحة والمتعة، وهذا أمر غير مقبول.

إن المسلّمة الاجتماعية بتصلبها وعنجهيتها تخفي مضمونها الوحشي بغلاف من الحرص على شرف المرأة وسمعتها.

وهكذا تصبح ردود فعلنا وأفكارنا وانفعالاتنا مقننة. إننا نلغي أبعادها ونقتصر على ردود الفعل التي جددتها القيم السائدة. أما الكيفية التي يتم بها ذلك فتنقلنا إلى البحث في آلية الجهاز العصبي للإنسان، وهذا البحث يحتاج إلى متخصص. يكفي أن نقول أن التداعي الحر، للأحداث والأفكار، يتوقف، أو ينحرف نتيجة لكوابح الجهاز العصبي مصدرها القمع الاجتماعي بكل أشكاله.

من هنا تبرز الوظيفة الخطيرة للأدب الجيد: إنه يقدم لنا تجاربنا الخالية من الحياة والمعنى ليشحنها بطاقة معرفية هائلة. فعندما نقرا "أنت منذ اليوم" أن الراوي زهد في جسد الخادمة لأن وجهها يكشف عن وساخته عندما ترتدي ملابسها، فإن الرواية تجردنا من مسلّمة طبقية وتكشف لنا رغباتنا الحقيقية.

كذلك فإن العقل الطقسي يقبل خطبة المذيع الحمقاء: لا تحزنوا، سأحقق لكم وحدة صحيحة. ولكن بمجرد أن نصيغها على شكل خطاب غير مباشر يكتشف العقل الخامل أنه انخدع، لأن المؤلف قد غير الشكل النمطي للخطاب، فلم نعد في خطبة المذيع مضمرين كمستمعين، بل أصبحنا نقادا.

= = =

المزيد من المعلومات عن الروائي الراحل، تيسير السبول، وأعماله في الموقع التالي المخصص له.
http://www.taiseeralsboul.com/

JPEG - 29.4 كيليبايت
غالب هلسا
JPEG - 26 كيليبايت
عود الند يافطة العدد الفصلي 8
D 1 آذار (مارس) 2018     A غالب هلسا: مقتطفات     C 0 تعليقات