عدلي الهواري
كلمة العدد الفصلي 26: عن خطورة «أناس لا يشبهوننا»
يحدث التقارب والتوافق عادة بين أناس لديهم قواسم واهتمامات مشتركة. وعندما يهاجر أناس إلى بلد جديد، الولايات المتحدة مثلا، تجد تجمعات لأناس من بلد واحد، مثل إيطاليا أو الصين أو الهند أو الصومال أو مواطني دولة عربية أو أكثر، إلى آخره. أي أن قاعدة "أناس يشبهوننا" مطبقة في سياق كهذا. لكنّ لهذه الظاهرة جانبا سلبيا، وهي العزلة عن المجتمع الأوسع. والأخير ينظر لهؤلاء الجماعات على أساس أنهم أناس لا يشبهوننا.
هناك حالات عديدة من العنف ضد مواطنين سود في الولايات المتحدة يمارسه رجال شرطة بيض. وهؤلاء لو كان المشتبه بارتكابه مخالفة لقانون ما شخصا أبيض لما عاملوه بنفس القدر من العنف، لأنهم يعتبرون الأبيض يشبههم، أما الأسود، فلا، مع أن الاثنين مواطنان ومتساويان أمام القانون.
منبع العنصرية هو إيجاد فوارق بين مجموعة من البشر وأخرى. بعض الناس ذوي البشرة البيضاء اعتبروا بقية بني البشر لا يشبهونهم، والتطبيق العملي لعدم التشابه المزعوم هو اعتبار البيض متقدمين، والسود والآخرين متخلفين. وفي المشاريع الاستيطانية لقارات ودول، عنى هذا ممارسة الإبادة ضد أهل القارات والدول الأصليين بذريعة أنهم لا يشبهوننا، فهم متخلفون وهمجيون وكفّار، والبيض متحضرون ومتقدمون ولديهم حق إلهي غير قابل للنقاش في الاستيطان والقتل.
بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، لاحظ الجميع التمييز في تعامل أوكرانيا مع الفارين من ويلات الحرب، فالمهاجرون والطلبة الأفارقة تمت محاولات لمنعهم من ركوب القطارات وإعطاء الأولوية للأوكرانيين البيض. والدول الأوروبية والغربية عامة مارست التمييز الإيجابي مع اللاجئين الأوكرانيين، في حين أن تعاملها مع اللاجئين من دول عربية وأفريقية وغيرها كان ولا يزال خاضعا للكثير من العقبات. وبريطانيا قررت أن ترسل الآتين إليها طلبا للجوء إلى رواندا، حتى تذيقهم مَرارا إضافيا، وتردع غيرهم عن محاولة المجيء إلى بريطانيا.
مراسل تلفزيوني أميركي (1) قال على الهواء تعليقا على الوضع في أوكرانيا ما معناه وملخصه إن الأوكرانيين ليسوا مثل العراقيين أو الأفغان. الأوكرانيون، حسب قوله، متحضرون نسبيا وأوروبيون نسبيا.
في هذا الرأي عنصرية مزدوجة، فحتى الأوكرانيون لا يشبهون الغربيين تماما، ولكن التشابه بينهم وبين الأوروبيين أكبر من التشابه مع آخرين مثل العراقيين والأفغان. وهنا يلاحظ أن العنصرية في النظرة إلى الشعوب فيها تراتبية.
"هؤلاء أناس لا يشبهوننا" بدأت تنتشر في الدول العربية. المسيحيون لا يشبهوننا، ولذا لا يجوز للمسلمين أن يهنئوهم بأعيادهم، أو يترحموا على موتاهم. الهنود لا يشبهوننا. الفلبينيون لا يشبهوننا. الأكراد لا يشبهونا. الأتراك لا يشبهونا. الإيرانيون لا يشبهونا. هذه المجموعة أو تلك حتى داخل الدولة الواحدة أفرادها لا يشبهوننا. قائمة من "لا يشبهوننا" طويلة.
في السياق السياسي، صار قمع حزب أو جماعة ما يدخل في مبرراته أنهم أناس لا يشبهوننا. الملتحون لا يشبهون غير الملتحين، ولذا يجب قمعهم، وإخراجهم من الحياة السياسية. النساء المحجبات لا يشبهن غير المحجبات، ولذا يراد أن يقتصر التمتع بحق الاعتقاد على غير المحجبات.
على الإنسان أن يفكر جيدا فيما يقول. يجب أن نرحب بالاختلافات بين الناس سواء أكانت من ناحية الجنس، أو لون البشرة، أو الدين، أو المعتقد، أو المذهب إلى آخره. واهمٌ من يظن أن الناس الذين لا يشبهون صورتك النمطية لشخصية المواطن في الدولة الفلانية أو العلانية ليس لهم حقوق الأشخاص الذين تنطبق عليهم الصورة النمطية المصطنعة في كل الأحوال.
لا يوجد شعب في العالم متجانس مئة في المئة. في كل بلد هناك تنوع بحكم مكان العيش في البلد، والمعتقد، واللهجات المحلية. لا يوجد نقاء عرقي، ومن يعتقد بوجود هذا منغمس في العنصرية عن وعي أو غير وعي.
"هؤلاء لا يشبهونا" منبع لعنصرية كريهة. العرب والمسلمون وشعوب الدول النامية ضحية لها، لذا بدل أن ترحب الضحية بالتنوع والاختلاف، تختلق فئة لنفسها مكانة أعلى من خلال زعم أن فئات أخرى من الشعب أو من البشر عموما لا تشبههم، ولذا تجيز إقصاءها واضطهادها.
يجب أن نرحب بالاختلافات بين الناس سواء أكانت دينية أو ثقافية أو غير ذلك. كلنا من آدم، وآدم من تراب.
= = =
(1) تشارلي داغاتا (Charlie D’Agata).
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]