نازك ضمرة - الولايات المتحدة
قرصني الجوع ونصوص أخرى
قرصني الجوع
قرصني الجوع. خرجت أبحث عنها في كل مكان، أبحث عن أمل ذي عينين مشعتين، وجدتها، ترسم وتتقن فن الطبخ، يشغلها إنجاز الكثير من لوحات التأمل والأحلام، والدها الشيخ متأمل لا يقوى على الكلام، يننتظر إنتاجها ولا يتدخل به، ابيضت لحيته من طول الانتظار.
لمحتني قادما صوبها، وحين قلت لها إن نبضي طفر وعلا فجأة، توقفت وتأملتني لحظتها ثم ضحكت، أمسكت بيدها، أبحرت في عيني، ألهمني الله بإن التصق بجانبها وأطوق كتفيها. ابتسم شيخنا وأرخى جثته على مقعده القطني السميك.
تعبث بريشتها على لوحة معلقة على الجدار، وبينما أنا أتأمل حركات اصابعها ولغة جسدها الفصيحة، رأيتها ترسم فارساً يخطف حبيبته ويسابق الريح.
بعدها فاحت رائحة طبيخها، فقرصني الجوع. شاهدت القمر والنجوم. كانت تتلألأ في أجواء السماء الصافية الزرقاء.
هناك يحلو الرقص
تبتعد يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، هناك كان الربيع مثيراً للحب، غرب بيت سيرا غطت الأشواك كل مكان، وارض والدي كانت جنة الحدائق، نحمل جمالها في عيوننا وعقولنا ليل نهار، وحين يفيض الوادي عبر المرج الأخضر، ترقص مفاصل جميع أفراد الأسرة، تشرق الأرض ورداً وخصباً، وتمرح أرواحنا عبره.
خمسون عاماً مضت على السرقة، تضطرب النجمات، تطلع وتغيب تنتظر عودة عبق قبلات الاطمئنان والحرية، الشجر والحجر والشباب والشيوخ وحتى النساء يخشون الإقتلاع، للموت أو للضياع ، والرعد والزلازل في كل الآذان، تنتظر ظهور قمر الربيع، حيث هناك فقط يحلو الرقص والدبكة، استنشقت عبق الأحضان، حين أمسكت بيديها كي نرقص مثل ايام زمان، لكنها غابت عن الوعي فرحا.
ولو لنصف ساعة؟
تململ متباطئاً وهو يحل خيوط حذائيه، طنين لا ينقطع في أذنيه، عاد لمنزله قبل قليل، تناول قطناً معقماً لتنظيفهما، يخاطب زوجته: "نشرات الأخبار في التلفاز متشابهة".
جلست على مقعد يستند على الجدار المقابل، قرب الشجرة البلاسيتيكية في الركن، والقطة تموء باحثة عن شيء ما، مر على الشجرة البلاستيكية سنوات طويلة وهي تحتل ذلك الركن.
طال بحثها عن محطة تلفزيونية، لا أخبار سارة، وكلها أغاني بم بم، هز راسه ثم طأطأه، تنبهت فرأت كومة من كرات القطن المعقمة على طرف مقعده، عادت أصابع يده اليسرى تعبث في شعر رأسه.
شاهد ابنتيه الطفلتين نائمتين، وحين خاطبته مستفسرة عما سبق وطلبته لابنتيهما، نظر لها ببطء يحاول اكتشاف ما يدور برأسها، وبدل أن يجيبها عاد يدفن رأسه في كتاب كان على طرف الأريكة المجاورة.
نهضت ثانية لشئون المطبخ، تتمتم في إحباط، ألا تجلس معنا ولو لنصف ساعة؟
الغنى و الفقر عدوان لدودان
نظر حوله للتأكد أنه لم يره أحد، نبش أوراقاً في حاوية الفضلات، وقع نظره على الفستان البرتقالي المشجر ممزقاً، اخذ جزأه الأعلى حول الرقبة، وضمه إلى صدره قبل أن يخفيه في جيبه، يقول في نفسه، الغنى والفقر عدوان لدودان.
كنت أزداد ولهاً بها حين ترتديه، وحين لمحته من النافذة، اوقف النبش وارتخت يداه، حاول الاعتدال في وقفته، متجمدا، ما زالت موطن قلبه، عيناه لا تفارقان النافذة وقبل أن يبتعد سمعها تقول: "مات الأمس، وابحث عن طريق جديد". لحظتها تعبر سيارة شحن قديمة، تضبب الشارع بدخان عادمها الكثيف، فتمكن من الاختفاء مسرعا.
ما مضى لا يعود
عيناها ترى الأشجار والطيور، وكل جماد أو حيوان حولها، تتحرك رؤوس الأشجار راقصة بذلك الجو الدافئ، قبل خروجها من البيت يائسة من إصلاح الحال، حاولت إيقاظه من نومه، لكنه قال: "إن غدا لناظره قريب".
زفرت نفساً حرى، تذكرت ظلام الأيام الخاليات معه، وفطنت أن اليوم الذي يفوت لا يعود، والعمر هو الأيام، تذكرت والدتها التي ماتت مبكرة، ووالدها منشغل بزوجته وبأطفاله الصغار، ومع هذا أدركت أن الحياة مستحيلة هناك، غادرت منزلها يائسة إلى المجهول، تمنت أن تسمعه المثل الإنجليزي: "دع الكلاب نائمة".
أيتها الجرافات اللئيمة
التقيتها بعد عقود، تضمني وهي خائفة، لم يتغير طعم شفاهها، لا بل زلزلت شفتي، استطعت أن أسمعها تقول، أعيش بجنات طفولتنا المزروعة في رأسي، وما حولنا ليس إلا أشجار غرسها أصحابها لثمارها، تبادرني صديقتي التي شاخت مثلي قائلة، أكثر ما يحزنني، هو غياب شجرتنا التي كانت تظلل الكهف الصغير ومكان جلوسنا، لقد اقتلعتها جرافات الغزاة.
◄ نازك ضمرة
▼ موضوعاتي
3 مشاركة منتدى
قرصني الجوع ونصوص أخرى, مكارم المختار / العراق | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 20:03 1
مسامعطر بالطيب والهناءالجميع"نازك ضمرة حييت اينما انت عسى ان تكون بخير"اما عن مروري فأسمح ان انقش عن حروفك دبلجة مستقاة من عدوان لدودان وجوع حروف لكلمات عل وعسى يحلو رقصها هاهناولو لـ 1/2 ساعة" فـاسمح بذلك مع امتناني:مع طول انتظار ومقعد قطني لمحت جوع الحرف لقاريء وسماء صافية تمرح الارواح عبرها فيحلو رقص وارض ورد خصبا وفرح دون غياب عن وعي وعبث بشعر الرأس من غير بحث عما يضبب المكان كدخان يعدم الرؤيا لتمكن من الاختفاء بل لتكون المسافات اكثر من نصف ساعة تسرع بنا الى ما مضى عساه يعود يغادرنا المجهول كيلا تكون الحياة مستحيلة وزفرات ايام نعيش معها اياما لا تشيخ بل بعد عقودتلتقينا دون خوف لنغرس ثمار ظلال نسمعها تقول"عيشوا تحت ظلي " عسى كما كهف لا تشيخوا ومكانا تجلسوا كي تقتلعوا الخوف وتبادروني غرسا جديد يحلو معه الرقص ولاجوع يقرص ولاجرافات لئيمة نحارب الفقراللدود وعدوه الغنى وماض يعودولو لنصف ساعة
1. قرصني الجوع ونصوص أخرى, 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013, 15:32, ::::: ابوخالد نازك ضمرة/ الأردن حالياً
سيدتي العظيمة أستاذتنا كريمة مختار، ايتها الشابة الشامخة الشماء، أنت طود عظيم يقهر الأماكن والمسافات، والزمن يحتفي بك وبكل ما تبوحين به، لك الاحترام، وانا سعيد بمرورك على نصوصي، ونصوصك هي نبراس نستفيد منه ونستضيء بها، دام قلمك الشهم الأبي السيال ، لا عدمناك، إلى الأمام يا حيبيبة الملايين من قراء الحرف المشع بالأمل والحياة والصمود، وإلى أن نلتقي لك محبتي وامتناني
المخلص العجوز ابوخالد نازك ضمرة
قرصني الجوع ونصوص أخرى, أشواق مليباري\ السعودية | 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 10:08 2
الأستاذ نازك ضمرة
فيما يخص المهارة هل العلاقة بين الرسم والتأمل والأحلام وبين الطبخ علاقة طردية؟
أم أن ذلك نادرا مايحدث فكانت تلك الفتاة حالة خاصة؟
لم تعد الأرض لأصحابها حتى الآن..وإلى أن تعود فلتبقى جنة الحدائق في القلوب على الأقل.
لا يمكنه أن يجلس لنصف ساعة يتحدث معكِ لأنه مشغول..هو ليس مثلكِ فأنت تجلسين معه وتقرئين وتنتبهين لقدر على النار وترضعين طفلا في آن واحد..أنت خارقة ،لكن هو مسكين!
شكرا لك استمتعت كثيرا بقراءة هذه النصوص الجميلة
تحيتي
قرصني الجوع ونصوص أخرى, نورة عبد المهدي صلاح | 7 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 11:50 3
الجرافات اللئيمة ، الجرافات القذرة ، والبلديات التي ببعض الاحيان تحيل كل ذكرى إلى خراب او تساوية مع الأرصفة والطرقات كأن حال كل شيء جميل أن يندحر للأبد..
نصوص راقية بحق