كان المساء قد بدأ يطل والشمس تقصد مغربها. يجلس با أحمد حينها رفقة زوجته في فسحة المنزل البدوي البسيط وشجرة العنب متدلية ومثقلة بالعناقيد: منها من صار طعمه جاهزا للأكل ومنها من صار زبيبا بعد أن جفت عروقه وأخذت سحنته ما يكفي من التجاعيد.
سمعت الزوجة لالة رحمة طرقا خفيفا، فنادت على با أحمد الذي كان ساهيا وهو يُنصت لإذاعته بخشوع وتركيز: "وا أحمد، وتا تكلم نوض شوف شكون ساير يهرس في الباب".
نهض با أحمد وخطف عكازه الذي لا يفارقه مطلقا. اتجه مهرولا صوب الباب القصديري: "وابلاتي هاني جاي أو مالنا (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
وجع البادية
1 آذار (مارس) 2023, ::::: طارق المنيظر -
ضباب
1 حزيران (يونيو) 2021, ::::: محسن الغالبيفجأة لمحتُ وجهها خلف نافذة القطار القادم من الشرق. كان الفجر قد انبلج للتو وقد غطى ضبابه صفحة النافذة، فبدا وجهها هو الآخر ضبابيا. لكنني أعرفه من بين كل الوجوه حق المعرفة. أقرأ خطوط عينيها ورشاقة أنفها وهلامية شفتيها ولو هبط ضباب الشمال كله.
اقتربتُ من النافذة يكاد القلب يرقص من شدة الفرح. أردت أن أصرخ أنني اشتقت وأن الانتظار قد فتّ عضدي، لكن فوضى المحطة وعواء القطار كانا كفيلين بخنق صرختي فأحجمت.
مددت يدي وأشرعت أمسح عن النافذة ذاك الضباب. أفزعني أن وجهها كان يتلاشى مع كل بقعة ضباب (…) -
طيف تجلله رائحة البحر
25 أيلول (سبتمبر) 2013, ::::: أشواق مليباريالنص أدناه مستوحى من قصة حقيقية
استيقظ خدر الأوصال، مثقل الأجفان، انتزع نفسه من فراشٍ احتواه حتى الظهيرة، بعد ليلة طويلة طوى جُلّها بعينين ساهرتين أمام شاشة الحاسوب، يحاول كسر وحدته بالحديث مع كل من يصادفه عبر عالمه الافتراضي.
دلف إلى المطبخ، أخرج شريحة خبز من كيس بلاستيكي وضعها في فمه وهو يفتح البراد باحثاً عن علبة حليب أو قنينة عصير، طقوس الاستعداد للخروج جرت كالعادة، لم يكسرها إلا هاجس ذكّره بوجه رآه ليلة أمس في المنام، وجه ظهر فجأة ابتسم واختفى، شخص عرفه ربما منذ زمن بعيد.
ارتدى (…) -
المنعطف
21 آذار (مارس) 2016, ::::: زهرة يبرمجواز سفرها في الحياة سُرق منها. محتارة كيف ستعيش ما تبقى من أيامها؟ باتت غريبة في بيتها، ضعيفة بين الأنام، تهزمها العواطف ويبكيها النسيان. يطاردها شبح الوحدة وتقسو عليها الأيام.
يمضي الليل والقلب وجيعا كسيرا، تتوسد ذراعها المبلل بالدموع وسط الظلام، تتأمل سَرابَ من أَوْلَاهَا ظَهره هجرا، ويأتيها صوتُه مغيظا: اغمضي عينيك نامي، أو اقضي الليل سهدا لن أعود.
ذاكرة ليل ثقيل يسير في مدار الزمن على مهل كأنه سنوات طوال، والليل يضخم أحزان الغرباء. تتقهقر بها الذاكرة إلى الوراء، تحاول أن تقيس (…) -
دهــر مــن الـتـشـهـيـر (*)
1 كانون الثاني (يناير) 2010, ::::: إبراهيم يوسفعلى طريق الرّيف، مضت راز تجوبُ البراري، تنتقل من حقل إلى حقل، تجمع حبات القمح التي خلّفها الحصادون.
راز شابة في ربيع العمر، وجهها مشرق فاتن، قوامها ممشوق، وإرادتها صلبة لا تلين. نامت ليلة الأمس عند غياب الشمس، وأفاقت مع الفجر، نشيطة مقبلة على الدنيا، عازمة أن تنجز في أيام ما فاتها خلال الصيف، حين كانت مشغولة بجدتها، التي قضت إثر مواجهة شجاعة مع مرض طال وقته؛ فالخريف على الأبواب، ولم تنته بعد من تخزين مؤونة للشتاء، الشتاء الذي يخشونه فيتحضرون له جيدا.
جملة القول إن راز رصينة جادّة، (…) -
ثلاثية من نهر البارد (1): لله الـعـتـبـى
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2007, ::::: سالم ياسينعدلت من جلستها وهي تهرم بعض حبات البندورة، لتعد فتوش رمضان. لا تزال تحضرها رجفة في أعصابها من غضب كبتته صاغرة منذ الصباح من بائع الخضار. الغلاء يستفحل في هذا الموسم، والناس لا ترحم في شهر الرحمة.
أعادت النظر إلى الموقد الذي استصلحته من بقايا مقعد دراسي في مدرسة المهجرين، وأخذت تحتسب مقدار ما صرفته من "كرتونة" المساعدات، فالشهر الفضيل في يومه الأول. ساعة للإفطار فيلتئم شمل العائلة، وستشرب الكثير من الماء كي تشفي غليل غضبها المحبوس كرامة للشهر المبارك وقربى لله تعالى.
لم تكن لتهدأ أو (…) -
بـدائـيـة نـاصـعــة
1 كانون الأول (ديسمبر) 2009, ::::: هيام ضمرةمثل أيام سابقات، يحمل نهاية يوم الدوام الحافل بالعمل بقايا أثقال موهنة، وقد نال العقل ما ناله من إجهاد، لا يألو يحصر تركيزه في قضايا انتشال الحياة الإنسانية من براثن المحن ومقارعة الأمراض، يصيب خلايا الجسم بكلل تتناقله الخلايا العصبية ليعم كامل الجسد ويصاب بما يشبه التراخي المنضوض.
ما أن تلقفتني جدران غرفة نومي وحررت أزرار قميصي المعبأ بإرهاق يوم حافل من الإنجاز، وما أن فككتُ عن وسطي قيد الحزام، حتى تمددت شعبي الهوائية مع سحبي جرعة عالية من الهواء عبأت تجويف صدري، ثم زفرت بقاياه دون (…) -
في عيادة طبيب يُضحك
1 كانون الأول (ديسمبر) 2019, ::::: فنار عبد الغنيأخذ يصوب نظراته الحادّة على تفاصيل وجهي بعينين متحجرتين غائرتين خلف نظارة طبية سميكة. كانت ملامح وجهه متشنجة، وقد ألقت الإضاءة الضعيفة في الغرفة عليها شيئا كبيرا من الغموض. وأعتقد أنه تعمد أن يجعل الحجرة نصف معتمة.
كان يحاول إثارة قلقي من خلال التحديق الطويل في قسمات وجهي. استغرق فحصه وقتا طويلا وهو لا يزال يحافظ على نفس الهيئة. قاس ضغطي وأنصت إلى نبضي في لمح البصر ولم يتفوه بربع حرف.
لم يكن هذا الطبيب معروفا رغم تقدمه في السن ورغم وجود عيادته على طابق أرضي في بناء قديم يشرف على شارع (…) -
نظرات متقاطعة
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2009, ::::: أحمد عبد الجليلصليت العشاء على عجل، ثم هرعت نحو خزانة ملابسي، أنتقي من ثيابي أجمل ما اشتريت من محال بلدنا، أدعو الله في سري ألا يغير رأيه في اللحظات الأخيرة، أعرف أنه لم يوافق إلا على مضض على اصطحابي معه إلى ذلك المطعم المكشوف، المقابل للفندق الذي نقيم فيه، وبعد إلحاح لم يعتده مني منذ زواجنا قبل أكثر من عام، ظل يرقب عن كثب ثوبي الطويل غامق اللون، ما أتزين به من مصاغ ثمين، وكذلك مكياجي الخفيف، الذي يكاد لا يلحظ، عسى أن يجد ما يؤنبني عليه بشراسة تجبرني على إغماض عيني بقوة لئلا تطفر من إحداهما دمعة قد تثير (…)
-
بقايا جثة
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2009, ::::: فريدة إبراهيم بن موسىكما لو أن الزمن يمر بطيئا هذه الليلة، تظل مزروعا على حافة الوقت المتآكل، كقطعة حديد مهملة في ركن من الحديقة. صدأ الجسد يكورك كومة حلم غير قابل للتأجيل. تراقب جحافلهم تقتحم خلوتك، ثم تجر جسدك، وتجعلك تركض ما قدر لك من العمر، خلف حلم موشوم بخدوش أظافرهم. الآن تنتعل ما تبقى من جروح حلم، لتبحث لك عن مكان يكمل نقصك.
وعبثا تحاول أن تمحو تلك الخدوش بريشة ألوانك الليلكية، وقبل انتصاف حزنك على قارعة الأرصفة التي عبدوها، بنتوءات أجساد صدئة، للحالمين الذين مروا قبلك في هذا الدرب، وأسالوا جرح ألوانهم (…)