هدى الكناني - العراق
أكرهك ونصوص أخرى
أكرهك
تخاطبه: "قل إنك لم تكن مع أخرى، أجبني وأنت تنظر إلى عينيّ".
يحاول أن ينظر إليهما، فتأبى جفونه إلا أن ترتخي خجلا ويخفت بريق عينيه
فيُشيح بوجهه عنها.
"اذهب، ارحل أنا أكر..."؛ أرادت إكمالها، إلا إن قلبها تحالف مع كل شرايينه وأوردته لتتعرش على أوتارها الصوتية وتشلها كي لا تصرخ أكرهك، فظل صراخها يتردد صداه الهادر في أرجاء روحها التي تشظت لرحيله وما باحت بها شفتاها.
لنعاقر خمر النجوم
حين يختنق الحشى حنينا، أفترش الحشائش الخضراء ولذراعيّ، أتوسد. أعاقر خمر ضياء نجوم معتقة منذ الأزل، فاثمل. تناغيني السحب بأشكال رقيقة كقبلة طفل، فإذا بوجهك يطل عليّ من بين تضاريس القمر. أناديك هلم وشاركني فراشي الأخضر ولنعاقر نبيذ نجم منذ ملايين السنين قد تخمر، وقمرا منذ دهور وعصور قد تدوّر، فيناكدني طيفك ويرحل، فألملم شتات نفسي وشظايا روحي؛ لأتدثر بأحلامي، فأراك راكعا أمامي على ركبتيك وكملكة تهب فارسها لقبا نبيلاً، أحمل سيف أنيني وشوقي لأهبك فارس الهروب والرحيل، فأرحل.
علمتني الحياة
آخر الأوفياء، آخر الأصدقاء، انسلوا كالماء من بين فتحات غربال الحقيقة. لم يتبقَ منهم سوى، لا أحد. كم تفاجأت، حزنت، بكيت وحمدت الله، أن الأقنعة التي لفوها حول أجسادهم الدقيقة كالطحين، قد تطايرت، تناثرت. باغتتهم وزلزلتهم هبة ريح صغيرة. نسوا أن يربطوا أحزمة النفاق حولهم، فتسللوا من بين فتحات الغربال، ليستقروا في مجاري النسيان العفنة، ويا لتعاسة من يُبدل طيبا بنتانة. فلا تنبذ صديقا بسبب العتق، فالصداقة الحقة كالنبيذ، يعتّقها الزمن.
كونشرتو قلب
تُعزف الموسيقى في ذلك الحفل الذي دعاه إليه صديقه، عله يُسكت عويل قلبه. غير أنه في عالم آخر، يتلمظ ذكراها على أنغام موسيقاه الخاصة التي يعزفها قلبه؛ فتارة تومض عيناه سعادة حين يتذكر ضحكتها ومحياها، وأخرى ينطفئ بريقهما حين يتذكر نظراتها المتعبة عتابا وندما وصمتا لاذت به، كأنها أشواك تُغرس في قلبه، فتدميه وتخرج آهة تكاد أن تشق صدره.
يلكزه صديقه قائلا: "أنظر مَن القادمة؟" فيُسكت ضجيج أفكاره. يلتفت بلا مبالاة، فإذا بها أمامه.
يضع يده على فمه الذي جف ريقه ليسعل وكأنه موسيقي يُدَوزن عوده قبل أن يعزف لحنه. تمد له يدها وكأنها تسلمه سند ملكية روحها. تعتذر منه لأنها لم تدعه يدافع عن نفسه، فيسكتها بإشارة منه قائلاً:
"أتدرين ما أنت بالنسبة لي؟ أنت قدح ماء بارد أرسله لي القدر، فاحتويته بكفوف روحي وأنامل قلبي الظمأى في قيظ أيامي، ألا يحق لي التريث قبل ارتشافه؟ ألا يحق لي التساؤل إن كان سيروي عطشي المزمن إليك في القادم من أيامي؟ هل أجبتك يا حبيبتي لم حين نلتقي تجف شفتاي؟ ولم أتمهل وأغمض عيني وأنا أقبل جبينك؟ أعلمي انك أجمل ما رأت عيناي وأني قد احتفظت بأنفاسك، صوتك وصورتك في خزانة روحي المغلقة التي لا تحوي نفيسا سواك".
ظبية شاردة
لطالما كنت كالظبية الشاردة، تتلصص على صيادها وتهرب منه، إن حاول أن يدنو منها.
كجائع لكسرة خبز طازجة معبقة بالشبع، لكنه يخاف أن يضر جسده تحسسه لقمحها. ما ذنبي إذ رضعت أنة أمي ورقتها؟ ما ذنبي إن كنت موجوعة بقسوة أبي؟ تلك التي عرشّت حول قلبي وأحاطته بسور من الخوف والحذر؟
أنا التي آليت على نفسي ألا أكون كحبة لقاح تتلاعب بها رياح القدر، تتساءل ترى أية زهرة ستتلقفها شفاهها وأية فاكهة ستثمر؟ ولن أكون كوكبا حبيسا، أدور في فلك رجل، فإذا برؤياك تُحيل دمائي إلى وقود سريع الاشتعال ونظرة عينيك تطلق شرارة، فتشب الحرائق في قلبي وتحيله رمادا.
وما أردت ولا دار في خلدي، أن أكون كسعفة نخيل ترتجف تحت زلزال عواطف وبرد أيام ومطر، وددت أن ألوذ بركن فإذا بك تترصدني، تحاصرني، إن هممت بالخروج سأواجه برقاً، أرعد في السماء فتناثرت النجوم مبتعدات، وإن عدت سأواجه ترسانتك وقد تنهال علي بأحضان رقيقة كالقبل.
وددت أن أعدو مبتعدة، كظبية مذعورة فاجأها الصياد، فإذا بك تمسك بيدي وتردد مقطعاً من قصيدة "أحبك جدا" للشاعر نزار قباني:
أيا امرأة تمسك العمر بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جدا
وجداً وجدا
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا
فأجابته وقد فاجأته بوابل دمع وعواطف: "إذا كان حضنك أماني، فلم الخوف والهرب؟"
وأكملت القصيدة:
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيلا
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا
◄ هدى الكناني
▼ موضوعاتي
6 مشاركة منتدى
هذه المرة انطلقتي الى افاق جديدة ،، تصوير جميل وحبكة اجمل
اتمنالك التقدم
1. أكرهك ونصوص أخرى, 5 تموز (يوليو) 2014, 13:45, ::::: هدى الكناني من العراق
ايات من العراق
اشكر كلماتك الرقيقةالمشجعة
ومتابعتك لنصوصي تزودني بجرعة كي ان اقطع خطوات للأمام
وتزيدني عزما كي اسطر ما احسه على اوراق أحلامِوآلامِ
تلك هي العلة ،أكرهك ، قد تفكر في نطقها ولكن محال لشفاهها ان تتفوه بها ربما أرادت أسماعه رنتها بصوت عال بينما هي تدرك انها ان فعلت ستتعب أكثر ويعتب عليها قلبها متألما في الحال فتوءثر كظمها، وتستسيغ ابتلاعها بصمود ركين في صمت مميت .
أنه احساس العاشقة الحقة حين اقتتال المشاعر المتراكمة في قلبها الحيرة والحب والخيانه تجاه الحبيب هذا فلا تجد سوى احترام مشاعرها وتقديرها وان لم يقدرها هو كأحساس الام بالمرارة تجاه ولدها العاق في شبابه لا يطاوعها قلبها لتكرهه حين تتذكره طفلا بريئا أرضعته اللبن
كلمات هدى الكناني الأديبة تستفز القاريء وتجبره على احترام ابداعها اللا متناه حقا.
1. أكرهك ونصوص أخرى, 5 تموز (يوليو) 2014, 13:18, ::::: هدى الكناني من العراق
ولاء المصري
سيدتي
تعليقك إن دل على شيء إنما يدل هلى احساس بمنتهى الرهافة والفهم لمشاعر المراة وكم تعاني ، كي لا تجرح حتى قاتل مشاعرهاوتخفق في نطق مايضج به قلبها .
نشبيه رائع يدل على حس ادبي عال جدا
مرورك اضاف لكلماتي حضور وعمق
مع الود
لم تترك كلماتك صوتاً لكلماتي.
نصٌ رائعٌ جداَ.
لكِ كل التقدير عزيزتي هدى.
1. أكرهك ونصوص أخرى, 5 تموز (يوليو) 2014, 13:05, ::::: هدى الكناني من العراق
ايناس ثابت / اليمن
سيدتي
صدى كلماتك
عبق مرورك على سطوري بطيب ومسك
الشكر لك سيدتي
أكرهك .. تماماً كموسيقى تقطع القلب حزناً وتمطر الوجه دمعاً لكن نبحث عن لذة الألم فيها فنكررها كثيراً بمعان مواريه فيها لا يفهما إلا من ملك قلباً محباً وصادقاً ..
الأصدقاء .. وعتيقهم أفضل من جديدهم .. هذه هي الحقيقة الصحيحة في حال إكتمل شرط القدم والأصاله . أن يكون أساسها محبة لا مصلحة عابرة .
( أحبك ) فلا تتركني .. موفقة جداً بإختيار هذه المقطوعة النهائية من الشعر ...
1. أكرهك ونصوص أخرى, 12 تموز (يوليو) 2014, 22:56, ::::: هدى الكناني من العراق
عزيزتي نورة
كم أشتقت لكلماتك التي تذوب رقة عتقت بألم
كم افتقد كتاباتك، عسى أن يكون المانع خيرا.
فانا اعلم ان قلبك مليء بالكثير مما يمكن ان ُيسفح على وريقاتك
مدادها رهافة في الاحساس ومشاعر عالية الحنان
أشكر كلماتك المغرقة في فهم سكنات وحركات قلم ضج حنينا للكتابة
انتظر قراءة بوح كلماتك ومشتاقة لها جدا.
دام مرورك عزيزتي
هدى الكناني
قرات اكرهك ولم استغرب كلماتك فهي بحق تعبر عن مشاعر حقيقية وصادقة وكأني اشاهد احد الافلام الرومانسية التي تحكي قصة حبيبين ولكن شاءت الاقدار ان يفترقاوبرغم الالم الذي يعتصر قلبهامن جراءخيانته لها ولكن مازال حبه ينبض في قلبها المتيم بحبه......
كعهدي بك ياهدى متألقة ولتبقي هكذا و بانتظار جديدك
1. أكرهك ونصوص أخرى, 24 تموز (يوليو) 2014, 23:15, ::::: هدى الكناني من العراق
احلام من العراق
مرورك الذي يضج بخلجات قلب يحس بما أكتب، يجعلني غاية في السعادة
افتقدت قلمك غاليتي وتعليقك الذي اعتبره دومااضافة.
لم يكن نص احبك في طليعة ما ارسلته للنشر، لكن من خلال كل ما وردني من كلماتكم ارى ان الد.عدلي كان موفقا ، كالعادة في جعله النص الاول في مشاركتي وهذا ما لمسته في تعليقاتكم بان له صدى في نفوسكم.
اشكره واشكر مرورك الذي دوما يعطيني دفعة للامام كي اواصل ما بدات
مودتي
هدى الكناني
عزيزتى هدى .. النص الأخير " الظبية الشاردة" فسر لماذا كان النص الأول " أكرهك " ..والنصوص الأخرى التى بينهم تكمل معزوفتك على أوتار فلب جريح من غدر الأحباء والأصدقاء،لغتك راقية وتصويراتك غاية في الروعة وتبث روح الرومانسية بمشاعرها وتقلاباتها كأننا نراها مجسدة نعيشها معك لا نقرأها ..تحياتى وتقديرى