عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى الدهان - العراق

تواطؤ + حظر فرح


.

لوني أظافركِ بالأحمر

= ارتدي قناعا آخر بنفس لون طلاء أظافركِ.

= هذا القناع سيكلفني كثيرا، ويحتاج إلى إدامة.

= الأمر يستحق، الأظفر الحقيقي بإمكانه أن يخدش وأن يؤلم؛ ولكن وجهك الحقيقي يجب أن يختفي حتى لا يرى عدوك سذاجته.

= = =

تواطؤ

اعتاد أن يجلس بالقرب من القفص الكبير الذي اعدّه لطيوره ليزعجه رفيف أجنحتها المتلاحق ولشجارها بالمناقير الذي غالبا ما ينقلب إلى تربيتة من منقار الذكر لرقبة الأنثى فتفرد له جناحا لتضمه أو لتذكره بسطوتها. كلا الأمرين وارد.

يجلس ليقرأ، وعندما تفوز الأفكار وتتغلب على الأحرف وتشغله عمّا بين يديه، يبدأ بالقراءة بصوت عال لطيوره. يقول إنه يقرأ لها، والحقيقة أنه يريد أن يُخِرس هذر أفكاره بسطور كتاب. دوما كان يقول عن طيوره إنها لا تعرف غير أن تأكل وتشرب.

من قال إن الطيور لا تعرف غير الطعام والشراب؟ ألم تكن تقرأ لها؟ ألم تكن تستيقظ معك في منتصف الليل، وبقوة ما تعرف وقت يقظتك؟

هي تعرف مثلك، وربما أكثر منك. هي فقط تُخفي ما تعرف حتى تظل في عينيك طيورك التي تحبها وتخاف عليها وتعيد إغلاق باب القفص بإحكام لو حاولت الاقتراب طمعا في التحليق.

لو بينت لكَ معرفتها وذكاءها ربما ستبيعها لأقرب محل لبيع الطيور، وهنا تبدأ المتاجرة بروحها قبل ريشها الجميل.

أي أحد منا، حتى إن كان يعشق تغريدها، يعشق أن يكون هو السيد والبطل في عينيها، أو في اقل الأحوال الراعي الذي يهتم بطعامها وماءها وينظف مكانها، وتدين له بالولاء وتعترف له بالجميل كلما مَنّ عليها به.

كم حمامة تعرف مصيرها والدماء التي ستتركها على سرير راعيها! ومع هذا تذهب طواعية، فقط لأنه قرأ لها قصيدة غزل.

= = =

حظر فرح

تطاردك فكرة. بدل أن تطردها تتركها لتسيطر عليك. تكتشف بعد فترة أنها أصبحت واقعا وأن ما كنت تخشاه وقع بالفعل.

تتجاهل، تنكر، ترفض، ترفس وتضرب الأرض كالمراهقين ثم تكتشف أنك إن تماديت تصبح أضحوكة فتلملم ما كان وتتذكر فقط ما تقوله لك مدرسة اللغة الإنكليزية: "have some dignity" [تصرف بكرامة] كلما افتعلت موقفا تستجدي به انتباه الآخرين، فتتلبسك فورا روح الخنساء وتعتمر عمامة المتنبي. تجلس بهدوء لتكتشف أن كل خيالاتك مجرد فكرة، وبخوفك أحلتها إلى واقع، وأن خوفك يرعبك أكثر من الواقع نفسه.

تبدأ حينها بحب نفسك أكثر لأنك تعايشت مع الظرف ولم تَعُد تشكو أو تخاف. تكتشف أن هناك آخر أراد أن يتحدث إليك وكان ينتظر أن تنتهي من طفولتك المتذمرة من كل شيء ومن مراهقتك الرافضة لكل شيء.

تجلس لتُصغِي له إن كان إنسانا. تشربه إن كان فنجان قهوة. تقرأه إن كان كتابا. حينها تكتشف شيئا جديدا يعينك على واقع أنت فرضته على نفسك أو سمحت للآخرين بفرضهِ عليك جراء تسامحك معهم.

تمضي هذه الفترة كسويعات اكتمال القمر ثم تعود إلى عنادك. ليتك تستمتع بالكتاب وبالصديق وبالفنجان. إلا أنك اعتدت ألا تعيش حياتك إلا كسجين أو ثائر، تقود نفسك دوما إلى زنزانة فكرة تتحول إلى ظرف حقيقي أو انتفاضة تؤدي إلى حظر للتجول لكل شيء حلو في حياتك.

JPEG - 26 كيليبايت
عود الند يافطة العدد الفصلي 8
D 1 آذار (مارس) 2018     A هدى الدهان     C 0 تعليقات