عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 4: 37_47 » العدد 45: 2010/03 » كلمة العدد 45: عن الغناء والأدب والجماهير

عدلي الهواري

كلمة العدد 45: عن الغناء والأدب والجماهير


عدلي الهواريبين الرسائل الإلكترونية الكثيرة التي يحولها إليك أشخاص تعرفهم، وآخرون لا تعرفهم، وصلتني الشهر الماضي رسالة حوت مقالة منسوبة للروائية الجزائرية، أحلام مستغانمي، تشير فيها إلى اشتهار مغني الراي الجزائري، الشاب خالد، بين عشية وضحاها نتيجة أغنية "دي دي واه"، بينما هي أمضت أربع سنوات في كتابة روايتها ذاكرة الجسد. (لاحظوا حجم التواضع في المقالة عندما تقول كاتبتها: "كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي مخطوط "[ذاكرة] الجسد"، أربعمائة صفحة قضيت أربع سنوات في نحتها جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينها نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.")

أختلف مع الذين أعجبوا بالمقالة وحولوها لغيرهم، وأختلف أكثر مع طرح المقالة، فهناك مقارنة غير سليمة بين الفن الغنائي، الراقي وغير الراقي، والأعمال الإبداعية المكتوبة، التي بدورها قد تكون راقية وقد لا تكون، وهناك هجاء للجزائريين والعرب، على افتراض أنهم لم يعودوا يميزون بين الصالح والطالح، وجاهلون بتاريخهم، إلى آخره.

أن يهتم عدد أكبر من الناس بأغنية أكثر من الاهتمام برواية ظاهرة ليست مقتصرة على العرب أو العالم العربي. خذ الولايات المتحدة مثلا ستجد أن الاهتمام بأغاني مايكل جاكسون ومادونا أكثر من الاهتمام بالروايات. وخذ الهند مثلا، ستجد أن المهتمين بالأفلام ذات الأغاني والرقصات والمناظر الطبيعية الجميلة والنهايات السعيدة أكثر من المهتمين بروايات ارونداتي روي (Arundhati Roy). ومع ذلك، الهند والولايات المتحدة بلدان لديهما أسلحة نووية، ويتمتع الشعبان فيهما بحريات لا تتمتع بها الشعوب العربية.

لا يلام الأميركيون أو الهنود، كما يلام العرب، إذا اختاروا أن يعجبوا بأغنية أو فيلم، وإذا أحجموا عن شراء رواية اجتهد صاحبها في كتابتها أو لم يجتهد. من الممكن أن يشهد المكان الواحد نجاح الفنان والروائي في آن. في الولايات المتحدة يبيع الروائي، دان بروان، نسخا كثيرة من رواياته، وينجح مايكل جاكسون ومادونا أيضا، ويبيعان كثيرا من الأسطوانات. وهذا حدث في الماضي في مصر، التي اشتهر فيها مطربون ومطربات كأم كلثوم ونجاة وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، واشتهر فيها أيضا أدباء كنجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما كثيرون.

أدرك تماما أن نسبة القراءة في العالم الغربي أعلى مما هي عليه في العالم العربي، ولكن ذلك لا يرجع لكون الإنسان عربيا، ولا بد من البحث عن أسباب واقعية أخرى، لا اللجوء إلى تفسير تبسيطي استعلائي للأمور.

عند رغبة الإنسان في الاستماع إلى أغان، سيكون هناك وقت لأم كلثوم، وآخر لفيروز، وثالث للشاب خالد، وهكذا. وهذا الإنسان قد يشعر أيضا بالرغبة في قراءة رواية، أو قصة قصيرة، أو مقال سياسي، أو خلافه. هناك تنافس شديد على جذب اهتمام هذا الإنسان. لن يجذبه الأدباء إليهم إذا سخروا من ذائقته أو ذكائه.

ملاحظتي الأخرى على المثقفين الذي يهجون الجماهير العربية بمناسبة وبدون مناسبة هي عدم الانتباه إلى التضحيات التي تقدمها الجماهير من أجل ما تؤمن به من قضايا، كالقضية الفلسطينية مثلا، فالجماهير العربية التي تهجى كثيرا خرجت إلى الشوارع غاضبة على العدوان الإسرائيلي على غزة، وتأييدا لشعب غزة المحاصر. وفي رأيي أن لتصرف الجماهير بطريقة تثير الإعجاب أو الاستنكار صلة وثيقة بقادة الجماهير (أو عدم وجود قيادة لها تقودها إلى الأفضل).

هناك من يقود الجماهير إلى الاهتمام بالمغنين والمغنيات، والممثلين والممثلات. وهناك أموال كثيرة تنفق على القنوات التلفزيونية والترويج للنجوم والنجمات، وكذلك لعبادة الشخصيات السياسية الحية والراحلة. والمثقفون القلقون من هذه الظاهرة عليهم توجيه النقد إليها بدلا من هجاء الجماهير.

أما رواية ذاكرة الجسد، وأختيها فوضى الحواس وعابر سرير، فلي رأي فيها قد أكتبه في أحد الأعداد القادمة.

مع أطيب التحيات

عدلي الهواري

D 1 آذار (مارس) 2010     A عدلي الهواري     C 0 تعليقات