عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إصدارات جديدة: محمد سعيد دلبح

مقتطف: المسكوت عنه في التاريخ: فصائل السلام


محمد دلبحأدناه مقتطف من كتاب صدر في الآونة الأخيرة للصحفي والكاتب الفلسطيني، محمد سعيد دلبح، عنوانه "المسكوت عنه في التاريخ"، وهو عن مجموعات رعاها الاستعمار البريطاني لفلسطين أثناء فترة "الانتداب" عليها، سماها "فصائل السلام"، وكانت مهمتها مساعدة السلطة الاستعمارية البريطانية على البحث عن المقاومين الفلسطينيين وقتلهم والتنكيل بهم وعائلاتهم. الناشر" دار الفارابي، بيروت، 2022.

المقتطف يناقش القيادة السياسة للشعب الفلسطيني، ممثلة في اللجنة العربية العليا: ص ص 123-126.

كانت اللجنة العربية العليا بوصفها القيادة السياسية في تلك المرحلة تتسم بالتوازن من حيث عضويتها وتمثيلها الحزبي والطائفي (مسلمون ومسيحيون) والهيئات المختلفة في فلسطين. لكنها اقتصرت على تمثيل طبقة كبار الملاك والبرجوازية الناشئة الكبيرة. وهذا ناجم عن طبيعة المجتمع الفلسطيني في تلك المرحلة، رغم وجود عدد محدود من المثقفين فيها مثل عوني عبد الهادي ومحمد عزة دروزة.

وهذا ما كان يفسر مواقفها تبعاً لمصالحها الطبقية وثقافتها وتكوينها، فلم تكن قيادة ثورية، إذ كانت ترفض الأفكار الأكثر ثورية، هذا عدا أن الأفكار الثورية اليسارية لم تك بعد معروفة أو منتشرة في نطاق المجتمع الفلسطيني، إلى جانب أن منظومة القيم السائدة آنذاك في المجتمع الفلسطيني يساعد كثيراً على إيجاد قيادات من هذا النوع، وأيضا غياب الطبقة العاملة عن المسرح السياسي، إذ لم تتكون بعد طبقة عمالية قوية تفرض وجودها ونفوذها السياسي. كل تلك العوامل ساعدت بقدر ما على أن يتولى كبار الملاك والبرجوازية قيادة الحركة الوطنية.

ولكن يمكن وصف تلك القيادة بأنها كانت قيادة وطنية سعت إلى تحقيق المطالب العربية بالوسائل السلمية بالتفاوض مع سلطة الاحتلال البريطاني. وكانت تعمل قدر إمكانها على تجنب الصدام العنيف مع سلطة الاحتلال البريطاني.

وكانت بعض فصائل الثوار مثل تلامذة الشهيد الشيخ عز الدين القسام تضع معايير وقواعد تمنع التعاون مع حكومة الاحتلال. لكن قيادة الحاج أمين التزمت التردد والإحجام. وقد بدا المفتي متمسكاً بسياسته الخاصة بالموازنة بين التعاون مع السلطات وقيادة الحركة الوطنية، وهو يصرح لوايكهوب بأنه، إن لم يقع حدث غير متوقع، فإن القلاقل بسبيلها إلى أن تتراجع.

وقد عزا البعض موقف الحاج أمين إلى كونه موظفاً عاماً رفيع المستوى وأتى بالعديد من معاونيه المقربين للعمل في إدارة الاحتلال (1). غير أن وظيفة الحاج أمين من الناحية القانونية قد حسمها وايكهوب بأن المفتي ليس موظفاً حكومياً، فهو يتقاضى راتبه من أموال المؤسسات الإسلامية التي تكفل الإدارة جمعها (2).

لكن قيادة الحاج أمين في الوقت نفسه، حفاظاً على موقعها القيادي، كانت مستعدة لمسايرة أية تطورات شعبية—بدرجات متفاوتة بالنسبة لكل عضو من أعضائها— لكن بالقدر الذي لا يفجر الموقف إلى صدام مسلح مباشر مع سلطة الاحتلال أو يؤدي إلى فقدان مصالحها.

لذلك كانت مواقفها تتسم بالاعتدال، رغم التأييد الشعبي والتفاف الجماهير العربية الفلسطينية حولها. ولم تحاول الاستفادة من طاقات الجماهير وحركتها للتأكيد على مطلب الاستقلال الوطني، إذ إنها بقيت متمسكة حتى بعد قيام الثورة الشعبية المسلحة بمطالبها الثلاثة التي طرحتها منذ تشكيل اللجنة العربية العليا: إيقاف الهجرة اليهودية وقفاً تاماً، ومنع انتقال الأراضي العربية لليهود منعاً باتاً، وقيام حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي (3).

وعلى الرغم من أن عبارة «القيادة السياسية» في تلك المرحلة تعني اللجنة العربية العليا لتي كانت تقود العمل السياسي رسمياً، إلا أن الحاج أمين الحسيني كان يتحمل المسؤولية الرئيسة في إدارة الشؤون كافة، وفي توجيه مختلف الأجهزة واللجان، وفي اتخاذ كثير من القرارات الهامة، سواء صدرت منه مباشرة، أو عن طريق اللجان القومية، فلم تكن اللجنة العربية العليا في حقيقة الأمر سوى واجهة رسمية لتلك الوحدة الوطنية التي كان عرب فلسطين حريصين على وجودها منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى.

ويبدو أن ذلك قد تكرر بعد ثلاثين عاماً عندما حل أحمد الشقيري محل الحاج أمين الحسيني على رأس العمل الفلسطيني الرسمي بقرار عربي رسمي، ومن ثم حل محله ياسر عرفات أيضاً بقرار عربي/مصري، ويعمل كل منهما بطريقة مشابهة للحاج أمين الحسيني. وبدلاً من الهيئة العربية العليا (التي كانت جامعة الدول العربية شكلتها في عام 1946 برئاسة الحسيني)، أصبح هناك منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتقد الشعب الفلسطيني أنها واجهة العمل الرسمي والنضالي التي تمثله والحريص على بقائها رغم ما حل بها من تجويف.

كانت الحركة الجماهيرية الفلسطينية في الواقع يعبر عنها الثوار، متقدمة بمراحل عن القيادة الحسينية، إذ كانت شعاراتها ترفض المهادنة والتهاون مع من تصفهم بالخونة. فقد ارتفعت أصوات الوطنيين الفلسطينيين تطالب الأهالي بقطع صلاتهم مع إدارة الاحتلال. ودعت منشورات الثوار والصحف الوطنية إلى استقالة مخاتير القرى وقضاة المحاكم إلى التوقف عن العمل.

وقد جرى بالفعل تقديم مخاتير العديد من القرى استقالات جماعية، وتوقف العديد من القضاة عن العمل. وقد جرى قتل عدد من المخاتير الذين أبقوا على تعاونهم مع الاحتلال والعمل مخبرين له، ومن بينهم مختار طيرة حيفا، محمد الشيخ يونس.

وقد اتخذ الثوار قراراً في منتصف شهر آب/أغسطس 1936 بقتل كل من يعاون حكومة الاحتلال أو اليهود. وشمل القرار الذين يعملون بالتجارة مع اليهود. وتمكن الثوار من قتل رئيس بلدية الناصرة، خليل طه، بعد أن ألقيت قذيفة على منزله في 18 آب/أغسطس 1936.

كما وزعت منشورات وملصقات تتهم زعماء المعارضة بالخيانة. وقد انتقد أحد الملصقات المفتي نفسه والمحيطين به لاستمرارهم على رأس وظائفهم في إدارة الاحتلال البريطاني، وبدا الحاج أمين يخسر بعضاً من مكانته بسبب مراوغته بين الثوار وحكومة الاحتلال.

وقد استهدف الثوار أفراد الشرطة العرب العاملين في شرطة الاحتلال البريطاني، حيث دعوهم إلى الاستقالة. وقد نفذ بعضهم ذلك، فيما كان آخرون يتعاونون مع الثوار ويهربون لهم الأسلحة. وقد قتل أفراد من الشرطة الذين رفضوا، وتعرضت أسرهم للتهديد.

كان هدف الثوار الذين سعوا لتحقيقه لأسباب سياسية وعسكرية واجتماعية، هو دفع جميع عرب فلسطين إلى المشاركة في الكفاح لوقف الهجرة اليهودية ونيل الاستقلال. وكانوا يدركون أن نجاح الثورة يتطلب دعماً شعبياً واسعاً. وليس عجيباً في ضوء ظروف كهذه أن يجد المتعاونون مع الصهيونيين أنفسهم في وضع أكثر سوءا (1).

وقد اضطر المتعاونون القدامى والجدد بسبب الثورة والتصفيات الجسدية والمستجدات السياسية الداخلية إلى إعادة تقويم أفكارهم وسلوكياتهم، وكان أمامهم أحد ثلاثة خيارات: الأول إعلان التوبة والالتحاق بالحركة الوطنية. والثاني الفرار إلى بلد مجاور انتظاراً للعاصفة حتى تهدأ. والثالث الثبات واستمرار التعاون مع الصهيونيين والبريطانيين وشركات شراء الأراضي الصهيونية رغم أنف التوترات والمخاطر المحيطة بهم (2).

ومن بين من أعلن ندمه وتوبته سمسار بيع الأراضي من أبو ديس، حسن محمد عريقات، وأيضاً محمد محمود أبو غوش، الذي أعلن توقفه عن التعاون مع اليهود. وتحوّل رباح عودة من قرية الجياسية في الجليل الغربي من بــياع أراضٍ لليهود إلى قائد في أحد فصائل الثورة. أما الحاج طاهر قرمان، أحد أشهر رجال الأعمال في حيفا وشريك الصهيوني ديفيد هاكوهن (الهاغاناه)، فقد آثر بعد تلقيه التهديدات الهرب إلى بيروت. كما فعل الشيء نفسه حسن شكري، رئيس بلدية حيفا.

= = =

الهوامش:

ملاحظة: تم في الكتاب البدء بالعدد 1 في ترتيب الهوامش عندما تظهر في صفحة جديدة. لذا يتكرر الرقم 1 أكثر من مرة أدناه.

ص 124

(1) هليل كوهين، جيش الظل، م س. ص 143-144.

(2) هنري لورنس، مسألة فلسطين في الكارثة الأوروبية، م س. ص 105.

(3) عادل حسن غنيم، م س، ص 80-81.

= =

ص 125

(1) هليل كوهين، جيش الظل، م س. ص 144-147.

ص 126

(1) هليل كوهين، م ن. ص 150.

(1) م ن. ص 153.

= = =

للمزيد عم محتوى الكتاب، استخدم/ي الرباط التالي للاطلاع على مقالة بقلم المؤلف يسلط فيها الضوء على محتويات كتابه الجديد.

https://ida2at.org/article/101830-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%86%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B1%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%8A%D9%87-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AF%D9%84%D8%A8%D8%AD
JPEG - 54.1 كيليبايت
غلاف كتاب: المسكوت عنه في التاريخ
D 1 أيلول (سبتمبر) 2022     A محمد دلبح     C 0 تعليقات