عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. نادية هناوي - العراق

العواطف غير الطبيعيّة في رواية «اسمي أحمر»


نادية هناوي«العواطف تصنع القصص». بهذا ابتدأ الناقد الصيني بيو شانغ دراسته الموسومة (العواطف غير الطبيعية في المتخيل القصصي المعاصر) ضمن كتابه (السرد غير الطبيعي العابر للحدود)[1]، وقصده أن يتعرف إلى الاستجابات والتصرفات وردود الأفعال غير المألوفة أو غير المتوقعة التي تظهر على السارد وهو يقص أحداثا مستحيلة عن شخصيات غير بشرية، مضفيا عليها مشاعر إنسانية تشابه مشاعر البشر من قبيل شعورها بالحب والغضب والعار والخوف والازدراء، إلى آخره. واقترح بيو شانغ أربعة اتجاهات لدراسة العواطف؛ الاتجاه الأول هو دراسة العواطف غير الطبيعية في أجناس أدبية أخرى غير سردية، والاتجاه الثاني دراسة التطور التاريخي للعواطف غير الطبيعية في الروايات الأدبية، والاتجاه الثالث دراسة دور اللغة في ترجمة العواطف غير الطبيعية، والاتجاه الرابع دراسة العواطف غير الطبيعية في الثقافات الشعبية. بيد أن الأهم في دراسة بيو شانغ هو تحديده لثلاثة أنواع من العواطف غير الطبيعية:

النوع الأول: العواطف المستحيلة جسديا وهي التي تتحاور بها الشخصية الحدود بين العالم الحقيقي والعالم الخيالي، فلا تكون لها علاقة بما هو مألوف من حولها. بمعنى أن الشخصية آدمية لكن تكتنفها مشاعر غير مألوفة تجاه أشياء مألوفة. ونمثل على ذلك بقصتين قصيرتين للكاتب الكوبي فيرجيليو بيفيرا. الأولى عنوانها (الجبل) وفيها يُظهر الرجل تولها بالجبل إلى درجة أكْلِهِ قضما ومضغا، متبعا أفعالا جسدية هي معتادة لكنها مع المأكول/ الجبل تغدو غير ممكنة ويسرد الرجل مشاعره وهو يسعى إلى هدفه وأن الذي يحزنه أن الناس سينسبون نقص حجم الجبل إلى الجيولوجيا وليس إلى الرجل القاضم (يبلغ ارتفاع الجبل ثلاثة الآف قدم، قررت أن آكله شيئا فشيئا. إنه جبل كغيره من الجبال. وأبدا أمضغ أول شيء يعترض طريقي، أقضي ساعات على هذه الحال. أعود لبيتي مجهد الجسم وفكاي منتفخان. لو أخبرت جاري سيضحك من دون شك لسخف كلامي ويعدني مجنونا، ولكن لأني مدرك لما أفعل استطيع أن أرى في غاية الوضوح أن الجبل ينقص وزنا وحجما سرعان ما سيضعون اللوم على اضطرابات جيولوجية وتلك مأساتي فلا أجد رغبة في الإقرار بأني أنا من كان يلتهم الجبل.)[2]

والقصة الثانية عنوانها (سباحة) التي فيها يسبح الرجل على اليابسة وليس على الماء، مظهرا حبا عجيبا لهذا الأمر، مستعملا حركات جسدية لا تمارس إلا في الماء. ويكشف خلال سرده تلك الأفعال عن مشاعر الثقة والاتزان والراحة والانتفاع وهو يسبح في اليابسة (تعلمت السباحة على الأرض الجافة، وتبين أني أحسنها أفضل من السباحة في الماء. لا يوجد خوف من الغرق لأنك في القاع أصلا وبالمنطق نفسه فإنك غارق مقدما. أخيرا فإن غياب الماء يحفظ جسمك من الانتفاخ. في البداية امتعض أصدقائي . هم الآن يعرفون أني أشعر بالراحة للسباحة على أرض جافة. أحيانا أغط يدي بين القرميد الرخامي وأناولهم سمكة بالغة الصغر اصطدتها من أعماق المياه.)[3].

وهذه التلقائية الواثقة في المزج بين عواطف إنسانية معتادة وأفعال جسدية غير معتادة هي التي تعطي بعدا منطقيا للسرد وتجعلنا نتقدم في القراءة من دون أن نكذب السارد، عارفين ضمنيا أن السرد قائم على التخييل أصلا حيث قوانين الواقع لا تنطبق على قوانين السرد.

ثانيا: العواطف المستحيلة منطقيا، وهي التي تتعارض مع المبادئ أو القواعد التي تحكم العالم الواقعي. ومثالها رواية «اسمي أحمر» لأورهان باموق. إذ على الرغم من حقيقة أن السارد ميت لكنه يسرد جريمة قتله ثم يسترجع قصة حياته، ناقلا مشاعره بعد رحيله عن هذا العالم (أنا ميت: الآن أنا ميت جثة في قعر جب مضى كثير من الوقت على لفظي نفسي الأخير وتوقف قلبي منذ زمن طويل ولكن لا أحد يعرف ما جرى لي غير قاتلي السافل إنه رذيل مقرف، أصغى إلى نَفَسي للتأكد من صوتي وجس نبضي ثم رفسني على بطني بعد ذلك حملني إلى الجب ورفعني وألقاني. رأسي الذي كسره بالحجر تفتت في الجب، انسحق وجهي وجبيني وخداي ولم يبق منها أثر. تكسرت عظامي امتلأ فمي دما.)[4].

وتتنوع مشاعر الجثة بين السعادة والقلق والتأسف على حاله والشكوى من وضعه الحالي بعد كل ذاك النعيم الذي عاشه (يؤلمني جدا وضعي الاستثنائي هذا الذي يمكن أن يقع لآخرين. أنا لا أشعر برأسي المتحطم وبتفسخ جسدي المجرح والمكسر. ولكنني أشعر بالعذاب الشديد الذي تتعذبه روحي المخفقة من أجل ترك جسدي أشعر بضيق وكأن العالم كله حشر في داخلي. شكايتي من شعوري بأنني ما زلت حيا)[5] وتتكرر الأفعال الدالة على حالة شعورية غير منطقية، يمر بها السارد الميت (فهمت/ اصدق/ انتبه/ اغضب ) واهتمامه بالتعبير عن مشاعره هو الذي يفسر منطقية عدم اهتمامه بالتأشير على قاتله أو ذكر اسمه، مؤجلا مسألة الثأر منه والاقتصاص من فعلته بما يشابهها أو أكثر.

وكان بيو شانغ قد ضرب المثل على هذا النوع من العواطف بشخصية ظريف أفندي فقط، فلم يشر إلى دور تعددية الأصوات داخل الرواية في عرض وجهات نظر متغايرة، وفيها لكل شخصية وجهة نظرها التي بها تعبر عن مشاعرها بطريقة مقنعة تجعلنا نصدق منطقيتهاـ فالشخصية المقتولة هي صوت من مجموعة أصوات، ومشاعرها لا تتشابه، بل تتصادم مع ما يُظهره القاتل من مشاعر كما أنها تختلف عن العواطف التي يُعبر عنها الذين لهم صلة بالجريمة أو الذين لا صلة لهم بها أصلا.

وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر في التعبير عن العواطف، فإن الأمر يبدو طبيعيا بمنطقية كل صوت وهو يسرد ما جرى له من أحداث على وفق قوانين السرد التي تحاكي الواقع الموضوعي تخييليا. فحين يسرد الميت جريمة قتله، فإن اهتمامه ينصب على إخبارنا بحقيقة شعوره لحظة قتله بينما لم يقل اسم الذي قتله ليظل لغز القاتل غير مكشوف للقارئ إلى نهاية الرواية. وقد تعمد الكاتب عنونة الفصول بطريقة اعترافية كأن الشخصيات أمام محاكمة وعليها أن تدلي باعترافاتها في شكل مرافعة قضائية (اسمي استر / اسمي قرة / أنا لست القاتل/ أنا أورهان/ اسمي احمر/ أنا شكورة/ أنا زوج خالتكم/أنا الأستاذ نعمان)

وينصب اهتمام كل شخصية ــ وهي تعرض وجهة نظرها ــ على عواطفها وموقفها من المقتول بينما تحرص على عدم كشف هوية القاتل الذي يظل مجهولا إلى أن يكشف عن نفسه بنفسه. ومنطقية ما تسرده الجثة تتأكد من خلال المشاعر التي انتابتها لحظة مقتلها ثم ما تشعر به وهي ميتة، وداخلها يتصارع الاثنان روحها وجسدها. ثم يسترجع المقتول ظريف أفندي قصة حياته وما كان عليه من السعادة فهو النقاش الماهر والموهوب الذي نال مكانة ورفعة عند السلطان فنقش الجدران وذهب المصوغات وطرز الرسومات الجميلة على الملابس والأواني. وهذه المهارة في النقش والتذهيب هي التي ستكون سببا في قتله (كنت سعيدا الآن. أفهم أنني كنت سعيدا. كنت أعمل أفضل تذهيب في نقش خانة السلطان وليس هناك مذهب يستطيع الاقتراب من مهارتي.)[6]

وينتقل من التعبير عن السعادة إلى التعبير عن القلق، أولا من عدم تصديق الناس حقيقة ما يسرده، وثانيا من أنهم لا يسألون عمن قتله، بل يسألون عما اكتشفه بعد موته (أعرف أنكم تنظرون إلى هذا كمعجزة كونكم تسمعون صوتي في هذا الوضع وتفكرون على النحو الآتي: دع الآن كم كنت تكسب وأنت حي، واحكِ لنا عما تراه هناك ماذا يوجد بعد الموت؟ أين روحك؟ كيف حال الجنة وجهنم؟ أعرف أن الإنسان فضولي لمعرفة ما يجري بعد الموت.)[7]

ولأن التعددية في الأصوات تمنح الشخصيات حرية في البوح والتعبير يغدو السارد الموضوعي مختفيا، فهذا القاتل يسرد وجهة نظره في فصل (سيقولون عني قاتل) كاشفا عن مشاعره تجاه شكورة ابنة المعلم وهي مشاعر منطقية ولا شبهة فيها، بيد أن تلاقي مهنته مع مهنة المقتول تجعل الشعور بالغيرة سببا منطقيا في ارتكابه فعل القتل من دون أن يقصد إلى ارتكاب الجريمة قصدا (لو قالوا قبل أن أقتل ذلك الغبي بقليل إنني سأسلب واحدا روحه لما صدقت. أحيانا أشعر وكأنني لم ارتكب أية جريمة. مضت أربعة أيام على قتلي أخي ظريف المسكين دون إرادتي واعتدت على هذا الوضع الآن. كنت أريد حل المسألة التي اعترضتني دون قتل ولكنني فهمت بسرعة أيضا. إنه ليس ثمة طريق آخر. أنهيت الأمر بسرعة هناك.)[8] ثم يصف القاتل مشاعره بعد ارتكاب جريمة قتل ظريف (قتلت ضحيتي بأسلوب فظ عند شعوره بحلاوة الروح كلما أتيت إلى مكان الحريق ليلا للبحث عما إذا كان هنالك أية آثار شخصية تشي بي.)[9]

ومنطقية تعبير القاتل عن مشاعره ستتبدد مع تعبير المقتول عن وجهة نظره المغايرة وفيها يكشف عن مشاعر الإهانة والغيرة والغضب والشكوى بسبب وفاته المبكرة على يد شخص صار مشهورا بعد أن احتل مكانه وظفر بالغنيمة بطريقة لا شرعية ولا أخلاقية.

وبكثرة وجهات النظر تتعقد خيوط الجريمة ويضيع الصدق مع منطقية كل سارد في عرض وجهة نظره. وعلى الرغم من أن العواطف على تنوعها هي غير طبيعية ومستحيلة، فإن استراتيجية قراءتها تجعلها مبررة وطبيعية، أولا بالنهج المعرفي وثانيا بالنهج الخيالي اللذين يفسران الحدود والعلاقات ما بين السرد والواقع.

وهذا التركيز على استراتيجيات القراءة في النظر إلى المؤلف ومقاصده والقارئ وتأويلاته هو الذي يجعل السرد غير الواقعي منضويا في خانة السرديات ما بعد الحداثية وما فيها من رؤيا للعالم مفتوحة وغير نهائية.

ثالثا: عواطف مستحيلة بشريا يشعر بها أبطال القصص غير الآدميين مثل الحيوانات والبراغيث والقمل والفئران والذباب أو الكائنات غير الحية مثل العملات المعدنية أو الأوراق النقدية أو الأحذية أو المظلات أو المعاطف أو الوسائد أو الساعات أو الأرائك أو المفاتيح . الخ. وفي رواية «اسمي أحمر» مجموعة من الفواعل السردية غير الآدمية الحية وغير الحية والتي تشترك في الإدلاء بشهادتها في مرافعة البحث عن قاتل ظريف أفندي، وأول الفواعل غير الآدمية الحية الكلب الذي يقدم شهادته في فصل (أنا كلب) معبرا عن مشاعر إنسانية تكشف عن حقيقة علاقته بالجثة.

وإذا كان من غير الطبيعي أن تكون للكلب مثل هذه المشاعر، فإن تعبيره يغدو طبيعيا بمنطقية وجهة النظر التي يعرضها، وفيها يكشف عن حقيقة كونه حيوانا أليفا يحب البشر ولكن البشر يسيئون فهمه، قائلا بضمير الأنا: (أنيابي حادة وطويلة كما ترون حتى أن فمي يتسع لها بصعوبة أعرف أنها تعطيني منظرا مخيفا ولكني مسرور منها. أـنا كلب ولأنكم لستم مخلوقات معقولة مثلي تقولون: وهل يتكلم الكلب؟ ولكنكم تبدون أنكم تصدقون حكاية فيها يتكلم الأموات ويستخدم أبطالها كلمات لا تعرفونها. الكلاب تتكلم ولكنها تعرف كيف تستمتع. كان ما كان في قديم الزمان كان الغربال في التبان وكان هناك عاصمة فيها جامع ضخم لنفترض أنه جامع البايزيد)[10] ويتضح تدريجيا أنه كلب الشيخ حصرت وقصته كقصة كلب أهل الكهف الذين ناموا وكانوا سبعة (أنا ككلب أتباهى بهذه السورة)[11].

والفاعل الآخر الحي وغير الآدمي هو الحصان الذي يدلي بشهادته في فصل (أنا حصان) معبرا عن عواطف إنسانية كالتعجب والاعتزاز والثقة وغيرها من العواطف التي من غير الممكن لهذا الحيوان أن يشعر بها (لا تأبهوا لوقوفي الآن هادئا ساكنا وفي الحقيقة أنا أعدو منذ قرون عابرا الأهوال وخائضا الحروب. أشعر بالاعتزاز طبعا ولكنني أسال دائما هل هذا المرسوم هو أنا؟ ونفهم من هذه الرسوم أن صورتي تختلف في كل عقل كما أشعر وبقوة أن ثمة خصوصية مشتركة ووحدة بين هذه الصور)[12]

وتتعمق أزمة الحصان حين يعبر عن مشاعره السلبية تجاه النقّاشين الذين يرسمونه بطريقة لا تعبر عن حقيقة اختلافه وما لديه من غرور بجمال شكله (أن الناظرين إلى جمال خصري وطول قوائمي وشموخي في وقفتي يدركون أنني مختلف. لكنني سئمت من إظهاري بشكل خاطئ على يد النقاشين الذين يجلسون في البيت ولا يخرجون إلى الحرب مثل النساء انهم يرسمونني وأنا أغدو مادا قائمتي الأماميتين كالأرنب)[13]

وتنقسم الفواعل السردية غير الحية إلى عيانية وغير عيانية، وتمارس أفعالا بشرية، شاعرة بعواطف إنسانية تماما كالبشر، ومنها العيانية العملة النقدية، وقد أدت دور البطولة ساردة قصتها بضمير الأنا معبرة عن مشاعرها وهي تقع بين يدي النقاش أستاذ لقلق وتعتريها الغيرة فتكذب حين تدعي أنها أصيلة من ذهب خالص (أنا ذهبية سلطانية عثمانية عياري اثنان وعشرون علي طغراء حضرة سلطاننا سلطان العالم يمكنكم أن تكملوا الرسم في عقولكم. لم أدهن بماء الذهب لأن الأستاذ السلطاني لقلق رسمني في منتصف الليل صورني هنا ولكن أصلي في كيس أخينا الأستاذ الكبير النقاش لقلق. بريقي يجعلكم تحملقون ويعكس على عيونكم ألسنة لهب وتنفعلون لهذا وفي النهاية تغارون من صاحبي الأستاذ لقلق)[14]

ولكنها في ذروة اعتدادها بنفسها سرعان ما تكشف حقيقتها وأنها مزيفة موجهة لومها إلى من زيفها ومعبرة بألم عن الطريقة التي بها زُيفت (أنا نقد مزور صنعوني من ذهب عياره قليل في البندقية وجلبوني إلى هنا ودفعوني إلى التداول على أساس أنني ذهب. أشكركم على تفهمكم وضعي)[15].

وتظهر غيرة كبيرة من قطعة نقود أخرى أصلية وتتألم لماذا هي السلطانية غير صحيحة وتلك القطعة القروية صحيحة (عندما تقبلنا في الفم رأيت أن ذهبية القروي حقيقية سلطانية عثمانية عندما رأتني وسط روائح الثوم قالت لي: أنت مزورة وكانت على حق ولأن كلامها المتكبر جرح كبريائي كذبت عليها قائلة: أنت المزورة)[16] وتعلو شكوتها من حالها وقد صارت سببا في قطع الرقاب بعد أن كانت موضع الإعجاب والتنافس حتى من لدن الفتيات اللائي كن ينظرن إليها (كأنني الزوج الذي خيالهن . خُبئت في طرف موقد الحمام وفي جزمة وفي قعر زجاجة تفوح برائحة رائعة في دكان عطار. بعد أن مررت من هذا الهيجان والحركة كلها وأخذني قاطع طريق منحوس بعد قطعه رقبة صاحبي، بصق عليّ وقال: تفوو. كل هذا بسببك زعلت وتمنيت ألا أكون موجودة)[17]

ومن الفواعل السردية غير الحية واللاعيانية الشيطان والموت، ففي فصل (أنا شيطان) يسرد الشيطان قصته معبرا عن رغبته في أن لا تهان كرامته وأن يصدِّق الناس شهادته، وانه ليس القاتل (أنا أعرف بالتأكيد أنكم جاهزون للأيمان بعكس ما سأقول لمجرد أنني القاتل ولكنكم أذكياء إلى حد تشعرون عنده أن عكس ما سأقوله ليس صحيحا دائما تعلمون أن اسمي ذُكر في القرآن اثنتين وخمسين مرة. كل ما قيل عني غير صحيح. إهانة القرآن الكريم لي آلمتني دائما وهذا الألم هو أسلوب حياتي. أنا لا أناقش هكذا)[18]. أما في فصل (اسمي موت) فيكون الموت هو المتكلم الذي تنتابه مشاعر الافتخار والسرور كون الناس يخافونه وهو ما يجعل له جبروتا يجعل منه عظيما (كما ترون أنا الموت. ولكنني اقرأ في عيونكم أنكم تخافون. إنني مسرور لسيطرة الدهشة عليكم كالأطفال. إنكم تشعرون عندما تنظرون إليّ بأنكم ستعملونها تحتكم من الخوف، عندما يحل ذلك الوقت الذي لا مفر منه. هذا ليس مزاحا.)[19]

وحين طلب السلطان من النقاش ظريف أن يرسم الموت انتعشت أسارير هذا الأخير، (شعرت أن رقبة النقاش نملت وعضلات ذراعه تشنجت ورؤوس أصابعه عن القلم بحثت، ولأنه معلم كبير حقيقي امسك نفسه لإحساسه أن هذا التشنج سيعمق عشق النقش في روحه)[20]

بهذه الفواعل السردية الكثيرة تتعدد الأصوات في رواية «اسمي أحمر» وتتنوع الاعترافات والإدلاءات ومعها تتواتر العواطف السلبية والإيجابية وتتفاوت في صدقها وقوتها ولكن الشبهات تظل تحوم حول كل فاعل سردي حيا كان أو غير حي، آدميا وغير آدمي. مما يعني أن الموت واحد مهما تنوعت الأسباب وتعقدت العوامل، وهو ما يوحي به عنوان الرواية «اسمي أحمر» حيث الموت هو النهاية الحتمية التي ليست لها نهاية.

= = =

الإحالات

[1] Unnatural Narrative across Borders Transnational and Comparative Perspectives, Biwu Shang منشورات روتلدج، نيويورك، 2019.

[2] ثلاث قصص قصيرة جدا، فيرجيليو بيفيرا، ترجمة جودت جالي، مجلة المأمون، العدد الثالث، السنة الخامسة عشرة، 2019، ص 106.

[3] المصدر السابق، ص 106.

[4] اسمي أحمر رواية، أورهان باموق، ترجمة عبد القادر عبد اللي (بغداد: دار المدى، ط2، 2004)، ص 7.

[5] الرواية، ص 9-10.

[6] الرواية، ص 7.

[7] الرواية، ص 8.

[8] الرواية، ص 25.

[9] الرواية، ص 29 ـ 30.

[10] الرواية، ص 19.

[11] الرواية، ص 22.

[12] الرواية، ص 321.

[13] الرواية، 322-323.

[14] الرواية، ص 149.

[15] الرواية، ص 150.

[16] الرواية، ص 151.

[17] الرواية، ص 154.

[18] الرواية، ص 425.

[19] الرواية، ص 183.

[20] الرواية، ص 186.

D 1 حزيران (يونيو) 2023     A نادية هناوي     C 0 تعليقات