عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 7: 72-83 » العدد 74: 2012/08 » برقية من سجننا إلى مطلق محمود درويش

فراس حج محمد - فلسطين

برقية من سجننا إلى مطلق محمود درويش


برقية من سجننا إلى مطلق محمود درويش

في ذكرى رحيله الرابعة

فراس حج محمدتطير الكلمات لتحط كما حط الحمام يوما في قصيدة درويش، لتعانق الذكرى المفتوحة على ألق الكتابة والحضور رغما عن غياب الموت المطل على شرفة آلامنا ونحن نعاني الواقع المر الأليم، فكيف لنا أن نتخلص من سجننا الكبير الذي وُضِعْنا فيه- ضمن شروط تاريخية قاسية- لنرتحل نحو المطلق حيث حرية الروح والجسد؟

تهلّ ذكرى محمود درويش الرابعة، ونحن على رأي المثل الشعبي "محلك يا واقف"، فلا شيء قد تغير يا درويش نحو الأحسن، وربما أصبحنا نعاني انتكاسات وانكسارات أشد وأعنف، قديمة ومتجددة، مترنحة على وتر الروح، عازفة الوجع الوجوديّ الصارخ لنستنجد بالمطلق الأبيض، مطلقك الأثير.

ألم تقل للناس والأحباب: "نحن هنا، أسرى محبتكم في الموكب الساري"، فلقد كبرت يا نخلة فلسطين عاما بعد عام لتكون بحجم ألمنا وآهاتنا وفلسطيننا المسلوبة الروح والرؤيا، لقد كبرت في هوى وطنك، فعانقناك "عناق الريح للنار"، نعم، لقد عشت في وعي الأجيال القادمة نبراسا شعريا وإنسانيا كامل البهاء سني الحضور، حاضرا في وعي طلابنا الذين ينشدون في مدارسهم "إنا سنقلع بالرموش الشوك والأحزان .. قلعاً".

محمود درويشما زالت الجماهير تترنم بحب متناغمة مع مارسيل خليفة حيث الحنين إلى خبز أمك "حورية" وقهوتها، ومتذكرين تعاليمها لك في حب النساء وتصديق قلبها لا غير، ما زالت تسكن في وعيهم كلمات الحجر الناطقة بمشاعر الصمود والتحدي في سهمك الشعري الذي أصمى الأعداء وأحرجهم، وجعلهم متململين من البساطة الجارحة في قولك: "فاخرجوا من أرضنا، من برنا، من بحرنا، من قمحنا، من ملحنا، من جرحنا، من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة، أيها المارون بين الكلمات العابرة"، لتسجل تلك الجماهير أنك لم تكن العربي الوحيد الصامد في الأرض متجذرا فيها، فقد تجاوزت الخمسين ألف إلى إثبات الحضور الإنساني والوجودي المعبر عن الارتباط بأرض عشقناها مع كل بزوغ فجر، لتعلن أننا نحن أبناؤنا، وأنك ابنها الحبيب البار.

لقد أثبتت مدونتك الإبداعية المترامية في الانبساط والتمدد إنسانيتك المفتوحة على المطلق المتوهج نجما يقاوم الفناء، حتى وأنت تصارع المرض، فكتبت في جداريتك الشاهدة على مرحلة إنسانية عصيبة، حيث الموت المتربص بالإنسان، فواجهته بشجاعة: "أرى السماء هناك في متناول الأيدي، ويحملني جناح حمامة بيضاء صوب طفولة أخرى"، لتصل إلى قناعتك الأبدية بأن "اللاشيء أبيض في سماء المطلق الأبيض"، وبأنك "وحيد في البياض"، فلا شيء يهزم الموت سوى الفن "هزمتك يا موت الفنون جميعها"، فكان هذا أول بيان مفتوح على المطلق، لتتخلص من واقع ينشب أنيابه فينا، فحالة حصارنا بلا نهاية، وسيناريوهات أعدائنا جاهزة مفتوحة ومتعددة، ليتفتق الذهن عن أشياء تجعل الحليم حيران، وقد خسرنا كل شيء، "ولم يربح الحب" يا درويش!

لقد اشتغلتْ إنسانيتُك في شاعريتك، واشتغلتَ بالفن وإنسانيتك، فكنت شاعرا إنسانيا مرهفا، تفكر بغيرك وأنت تعد فطورك، فلم تنس قوت الحمام، ولم تنس شعب الخيام، ولم تنس من يرضعون الغمام، وظلت الذاكرة مشغولة بمن لا يستطيعون الكلام، المحرمين من الحرية ومن أبسط حقوقهم في أن يعبروا بحرية عن إنسانيتهم، لقد انفتح الأفق لديك على التوراة والإنجيل والقرآن، فكان الشعر حاملا للمعنى واللغة معا، ومنفتحا على لوركا وبورخيس كما انفتح على امرئ القيس والمتنبي وناظم حكمت، وغيرهم ممن كنت لإنسانيتهم محاورا ومتعمقا، متماهيا أو متجاوزا، فكنت كلهم، بصوت عذب مميز وخاصّ وشعور إنساني جميل، لم تعرف سوى الإنسان مجردا عن كل صفة أيديولوجية أو سياسية.

تظل الكلمات صامتة وخجولة، وهي تعاني قلقا كأن صاحبها على متن الريح مسافرا من منفى إلى منفى، حاملا قلبه ورحيق الذكريات من وطنه، ليحط بها من مطار إلى مطار، ليصل إلى حيث منتهى كل حي، الأبدية البيضاء، والمطلق الأبيض، ولكن الموت كما قضت بذلك حكمة الحياة هي محطة القطار الأخيرة.

ستظل يا شاعر الوطن المحتل ويا مجنون التراب تطلعا إنسانيا مفتوحا على المطلق، ونحن نناضل من أجل أن نبرح قيد العبودية، لتتفتح أزهار الدم في وطن الحرية ياسمينا أبيض يفوح بأريج الحياة البسيطة، وينبت الشعر والغزل، ويحلو غناء المحبين، حيث لا جنونَ عظمة ولا تسلطية ولا دكتاتورية بلهاء، فإننا لطامحون وطامعون أن يُنْهي ذلك الدكتاتور خطَبَه الموزونة المجنونة التي تصيدها الهباء، لتصبح من تراث نقرأه ونقول: "باطلٌ، باطل الأباطيل... باطلْ".

لن نمدحك، فأمثالنا لا يتقنون المديح، ولكننا نعزي أنفسنا بأننا نجد فسحة من الوقت كل صباح لنردد قولك: "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا"، فارقد بسلام، فعليك من الشعر والورد السلام من أرض السلام.

D 26 تموز (يوليو) 2012     A فراس حج محمد     C 4 تعليقات

2 مشاركة منتدى

  • الاستاذ فراس حج محمد:

    سلام على درويش وعلى أشعار درويش .. فلسطين هي درويش..

    امتشق الرجل..الرجل.. القلم، و ما كان على البقية الا امتشاق السلاح..

    فالقلم وحده لا يحرر الاوطان..

    في القضايا الكبرى يمتشق كل العرب أقلامهم، ولا شيء آخر غير القلم..

    احتلت دول بأكملها، وهم لم يراوحوا مقاعدهم أمام دفاتر وأقلام..

    الوحش يقتل ثائرا*** و الارض تنبت ألف ثائر
    يا كبرياء الجرح *** لو متنا لحاربت المقابر

    حفظت القصيدة وانا برعمة.. كبرت كثيرا و ما نسيت القصيدة لا الحلم الذي تجسده القصيدة. ووعيت على حقيقة.. ثرثرة كلام..

    الفلسطينيون يموتون بثورة وبدون ثورة.. ولن تحارب أجداثهم.. فتلك أمانيهم..

    محمو درويش هو " مفدي زكريا" الجزائر..وقد دعمت الثورة التحررية الجزائرية شعر مفدي.. لكن محمود لم يدعمه شيء.. بل خذل محمود بالاستسلام..


    • يا زهرة الجزائر
      سلام عليك ... على كل مسكون بالحلم مشتاقا لحرف النور يهدي كل ثائر
      إن مات منا شاعرٌ، فالأرض تزهر من خواطرنا وتنبت ألف شاعر
      فالروح لم تعصف بها تلك العواصف
      ولدت بكل دقيقة رجلا يناجز عن موتنا صمت المقابر
      فإيه إيه يا بنت الجزائرْ

      تحياتي لك بلا حدود

  • أجل جلال هذا النص أنّه يتمحور حول فلسطين وهي أحبّ إلينا من حبّ الرضيع الهمس على بطن أمه. لكن ما أراه غير مناسب هو أن النص يفتقر إلى منهج معيّن يُبنى عليه. فالأجدر والأهم أن كل نص لا بدّ أن يبنى على عتبات منهجية. حتى لا يكون البناء على خواء فالمطلوب هو بناء على ملء


في العدد نفسه

ناجي العلي: التشييع والدفن

ناجي العلي: أين يدفن؟

ناجي العلي: خبر الوفاة

ناجي العلي: قصاصات من الصحف

ناجي العلي: تحقيقات الشرطة