عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

جبر نشوان - الأردن

ما بين دمعة وابتسامة


جبر نشوانلم يكن له من الأمر شيء، ولكنها باتت له كل شيء، فما بين مسيّرٍ ومخيّر يأتي دور القدر.

رآها جالسة على ذلك المقعد الرمادي الكئيب في أحد أطراف الجامعة، بعيدا عن زحمة الطلاب. هو ذلك المقعد الرمادي المعروف، ليس بلونه ولكن بمكانه وجلسائه، ففيه من الكآبة ما ينفّر الناس منه حدّ تشبيه من يجلس عليه بأنه كمن يجلس على قبر.

كانت فتاة بريئة الملامح نحيلة الجسد واسعة العينين، تلبس السواد فيبدو وجهها كالبدر في حلكة الظلام.

وكان اندهاشه الأكبر فيها دمعة تطرق أبواب عيونها، ليتردد صدى سحرها في نسمات ذلك المكان، سحر يستوقف الزمان ليصنع بداية لقصة حياة.

هي فتاة رآها لأول مرة وكأنه يعرفها منذ زمن، فمن الناس من تعرفهم قبل أن تراهم، هكذا هي الأرواح: تسبق العيون أحيانا.

توقف على عتبات عيونها بدون أن تراه أو تُحسّ بوجوده. ولكنه رآها وأحسها بكل خلاياه.

كان لتلك الدمعة التي لم تغادر شواطئ عيونها مستقرا في أعماق إحساسه، فظل واقفا بدون حراكٍ وبدون تفكير يناظر وجهها؛ يراقب صمتها؛ يحس بحزنها؛ إلى أن انسابت دمعة على وجنتها ببطء شديد.

كانت دمعة هادئة كحزنها. بليغة كصمتها. كفيلة بإثارة عاصفة في أعماقه، فحطمت أمواج مشاعره حواجز سكونه ودفعته نحوها.

توقف أمامها فكان أول لقاء بين عيونها وعيونه. لم يستطع أن ينطق بشيء، وهي لم تنطق بشيء. بعد لحظاتٍ دامت كأنها دهر، استدرك نفسه بعادةٍ بشرية، فكما يفعل البشر، مد إليها يده بمنديل، بقي معلقاً بينهما على أطراف أصابعه كحمامةٍ بيضاءَ تقف بلهفةٍ على أبواب وطنٍ لعلها تُفتحُ لتعلن فيه بداية سلام وربما "حب".

مدت يدها في حياءٍ لتأخذه فاستقر على كفها كهدوء زهرة ياسمينٍ تهبط على سطح واحةٍ بيضاء.

لقد كانت حقا فتاة كالوطن تقبل أن يمسح حزنها الغرباء. ولا ضير على وطنٍ يبكي الخذلان من الأبناء أن يقبل منتحب بعض الحُبّ من الغرباء.

مسحت دمعتها ثم ضمت المنديل بين يديها ناظرة إليه. كان يود لو أنه ضمها بين ذراعيه المرتجفتين كقلبه كما ضمّت ذلك المنديل. كان يودُّ لو احتضنها وأجهش بالبكاء كالطفل الصغير.

نظرت إليه ولم تعلم لماذا فقط ابتسمت. وهو لم يعلم لماذا فقط نظر في عينيها وابتسم.

وما بين دمعة وابتسامة حتماً هنالك قصةُ حياة.

D 25 أيار (مايو) 2013     A جبر نشوان     C 2 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 84: "عود الند" تبدأ سنتها الثامنة

تراثنا الأدبي بين الوحدة والتنوع

قراءة في ديوان للهكواتي

خصوصية الإبداع الروائي لدى نجيب محفوظ

سينما: فيلم المجهول