لطفي بنصر - تونس
أصل الحكاية: مرمرة وبول
سألتني جدتي ذات السبعين خريفا عن مرمرة، ولكني كنت كعادتي منشغلا أمام التلفاز بمتابعة آخر الأخبار، فعاودت السؤال مرات ومرات حتى نفذ صبري - أسألك الصفح يا جدتي - مرمرة أصل الحكاية : سفينة سلام على متنها بحارة مسالمون، تمخر عباب بحر أبيض لجي باتجاه سجن كبير أقامه المحتل والأخ وابن العم .
"ولكن مرمرة مدينة تركية على ما أظن يا ولدي."
"نعم يا جدتي، وقد سافر إليها جدي رحمه الله إبان الحرب العالمية الأولى، ليقاتل إلى جانب الفرنسيين."
"وهل مازالت موجودة؟"
"نعم، ولكنها جريحة."
"لا حول ولا قوة إلا بالله. من آذاها؟"
"يقولون القرصان بربروس."
"وهل عاد للوجود؟"
"عاد وهو يحمل غيظا كبيرا."
"يا لطيف ألطف."
"وأكثر من ذلك. لقد قتل وسفك وعربد وتحدى ..."
"اللهم استرنا. يقولون حين يعود بربروس ستكون معه فتنة، وبعد الفتنة علامات، وبعد العلامات ستقوم الساعة."
"ما أظن ذلك يا جدتي، بربروس من نوع آخر. إنه في منتهى الطيبة والإنسانية، بل وأكثر من ذلك فهو ينصر المظلوم ويرد الحقوق إلى أصحابها، ويحترم كل الشرائع بما في ذلك القانون الدولي."
"كلا يا ولدي، أنت العاقل يقول مثل هذا الحديث؟ هل فقدت عقلك؟ أظنهم سحروك، لابد أن تذهب إلى الشيخ أبي يزيد، إنه ماهر وسيبطله."
"ولكن أبي يزيد سافر إلى تورا بورا بالأمس، ولا أظنه سيعود. هكذا حدثتني زوجته. وماذا عن شمعون جارنا؟ إنه يفك السحر، ولكنه يفعل ذلك سرا."
"من أدراك بذلك؟"
"شهرزاد زميلتي في العمل أخبرتني بذلك، وأكدت لي أن زوجة زعيم عربي تتردد عليه باستمرار، وتتعوذ به من كل شيطان مارد يتربص بزوجها العليل."
باستغراب شديد: "ولكنك لم تخبرني بقصة مرمرة؟"
"مرمرة أسروها يا جدتي."
"من أسرها يا ولدي."
"لقد أفلح شمعون هذه المرة، ولكنه فعلها جهرا."
"إذا اذهب إليه يا ولدي وكن مطمئنا."
"حسنا سأفعل ولكن أخبروني أنه يشتغل في عرض البحر هذه الأيام."
تعض أصابعها حسرة. وفجأة تتذكر بول الإخطبوط.
"شمعون أخذ مكان بول، بول أخذ مكان شمعون. ماذا يحدث هذه الأيام؟" تتمتم جدتي.
"ما قولك يا جدتي في بول؟"
"من؟ بول؟ لا لا، أتصدق ذلك أنت أيضا؟"
"ولم لا، من يفلح في تكهناته قادر على إبطال السحر."
"ولكن لابد أن ننتظر عودة شمعون."
"لماذا؟"
"لا أعرف وكفى."
"وإذا لم يعد شمعون، ماذا نفعل؟"
"لا اعرف، ما بالك تكثر من الأسئلة هذا اليوم؟"
"لا، ولكن ليطمئن قلبي."
تفتح التلفاز بعد أن أدت صلاة المغرب، صاحت:
"خبر عاجل يا بني. ثري عربي يشتري بول بمليار دولار."
"ماذا؟ مليار دولار؟ إذا لست الوحيد الذي سحر."
"لا يا بني، بول يستحق أكثر من ذلك، لأنه سيحضر القمة العربية القادمة وسيوحد العرب على كلمة السواء، فهو الذي يملك الحكمة والبصيرة؛ وأكثر من ذلك فهو حيوان حز في نفسه حال مرمرة الجريحة واقسم أن يبرها ولو لحين."
◄ لطفي بنصر
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ