عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: محمد زنـبـيــر - المغرب

مناقشة: كان من الواجب احترام الموضوع

رد على محمد برادة


أدناه مقتطف من المجلة الثقافية المغربية "أقلام". السنة الأولى. العدد الخامس. تشرين الأول (أكتوبر) 1964.

مناقشة: كان من الواجب احترام الموضوع وصيانته من العبث

كنت آمل، بعد المقال الذي كتبته في أول الصيف (1) حول ما يجب أن يكون من علاقة بين إنتاجنا الأدبي والمجتمع الذي نعيش فيه، أن يفتح باب للمناقشة المفيدة، لأن الموضوع جدير بأن يحظى بقسط كبير من اهتمام الكتاب، سيما في هذا الظرف الذي بدأ البعض منهم يفكرون بشيء من الجد في إنعاش حياتنا الثقافية بالتأليف والابتكار والخروج من الجمود الفكري.

ولم أكن أتوقع أن السيد محمد برادة في رده على ذلك المقال سيتجنب هذا الموضوع الحيوي الذي يتطلب اختيارات عن وعي، ليحدثنا من جهة عن عموميات تتعلق بالعلاقات بين الشعوب والحضارات في عصر اليوم، وليبحث، من جهة أخرى، عن هويتنا السياسية وانتمائنا المذهبي. ومهما يكن، فهذه طريقة في المناقشة لا تتفق في معناها ومبناها مع الروح المنهاجية التي انبثق عنها الفكر والثقافة في زماننا هذا.

لذلك، سأكون مضطرا إلى شيء من الصراحة في جوابي هذا، فقد اكتفيت في المقال الأول بنوع من الإيماء والتلميح لأني لم أكن أقصد السيد محمد برادة بالذات، وإنما سقته كمثال له أشباه ونظائر متعددة.

وكنت في الواقع لا أقصد إلا انتقاد نزعة طغت على بعض شبابنا المتعاطين للكتابة وجعلتهم يفرطون، عن حسن نية في الغالب، في التحدث عن المذاهب الأدبية والفكرية في أوروبا الغربية، متغافلين عن الالتزام الذي يكون بين الكاتب ومجتمعه، متناسين ذلك الرباط القوي الذي يجمع بالضرورة بينهم وبين جمهورهم، إذ لا يخفى على أحد أن الثقافة القومية تنبثق وتزدهر من هذا اللقاء المتواصل والحوار المستمر بين الكاتب وجمهوره.

ومهما انعدم هذا التواصل، فإن الكاتب يصبح أجنبيا على قومه، لأنه بدل أن يحدثهم في الأشياء القريبة منهم، والتي منها تتكون حياتهم، يجلب لهم الأقراص الفكرية من البلاد البعيدة، ويقدمها لهم كأفيون يتناسون به بؤسهم وشقاءهم.

فأنا، إذن، لم يكن يهمني أن أنتقد شخصا معينا، بقدر ما كان يعنيني أن ألفت النظر إلى هذه النزعة، وما ينطوي تحتها من لا مسؤولية تغيب عن الفطنة لأول وهلة.

وأبدأ أولا برفع التباس فيما يتعلق بإحدى المسائل التي عالجتها في مقالي السابق، فأنا حين تحدثت عن بعض كبار الكتاب بفرنسا من أمثال جيد وسارتر وكامو، وبيّنت أن مشاغلهم، بحكم اختلاف الظروف التاريخية، لا تلتقي مع مشاغلنا، لم أكن أقصد من ذلك انتقادهم أو التنديد بهم، بل إنني أعتبرهم بالنسبة إليّ وإلى كثير من أبناء جيلي كأساتذة محترمين ومحبوبين تعلمنا منهم الشيء الكثير، واستفدنا منهم تكوينا فكريا وثقافيا نعتز به دائما.

ولكن علاقة التلميذ بالأستاذ ليست عملية بيع وشراء يلتقي فيها الوفاء والاعتراف بالجميل مع العبودية الفكرية، بل إن أهم ما علمنا هؤلاء الأساتذة هو روح التمرد وحرية النقد والاعتراض، لأنهم هم أنفسهم قاموا في بلادهم، فأعطوا المثل في مقاومة الأفكار السائدة التي كانت ترمي إلى تجميد العقل وروح الابتكار في المجتمع الفرنسي، وفي فتح آفاق جديدة للذوق الفني.

إنهم كانوا ولا يزالون يقدرون الحرية في الشخص إلى حد أنهم يفضلون المنتقدين لهم والمعترضين عليهم، على أولئك المعجبين الذين يترامون على أقدامهم في شبه استسلام وخضوع.

= = =

(1) مجلة "أقلام" المغربية، العدد الثالث، 1964.

https://archive.alsharekh.org/MagazinePages/MagazineBook/Aqlam/Aqlam_1964/Issue_5/index.html
D 1 آذار (مارس) 2022     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات