عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مليكة فريحي - الجزائر

قراءة في رواية الدخان


قراءة في رواية "الدّخان" لنوار عبيدي

رواية "الدّخان" عمل قدمه الروائي نوار عبيدي، وصدر عن مطبعة المعارف، عناية 1986. وقد جاءت نتيجة لخلاصة تجاربه الميدانية في الحياة الجامعية والاجتماعية، وعكس من خلالها حبّه للوطن وغيرته عليه في عدّة محطات من الرواية.

قدمت هذه الرواية مجموعة من القضايا التي عاشتها الأسرة الجزائرية إبان الاحتلال الغاشم.

ورغم أن الروائي لم يعش الثورة لكنه استطاع أن يقف عند محطات كبيرة عرفها المجاهد الجزائري منها المرحلة التي يقرر فيها الصعود إلى الجبل.

انتخبت الرواية جزءا مريرا من حياة الجزائري ألا وهي فترة الاحتلال المدمر، الذي انتهج سياسة التقتيل والتخريب والاغتصاب، فلم يسلم من هذا الأذى لا الطفل ولا الشيخ ولا المرأة التي كانت الضحية الأولى دائما.

شخصيات الرواية

تعتبر "الشّخصية مكوناً مهماً من المكونات الفنية للرواية، وهي عنصر فاعل في تطور الحكي، إذ يؤدي عنصر الشّخصية أدواراً عدة في بناء الرواية وتكاملها وطريقة عرضها للأحداث، ومن خلال مواقفها يمكن تبيان المضمون الأخلاقي أو الفلسفي للرواية، فالكثير من أفكار الكاتب ومقاصده ورؤاه ومواقفه من القضايا المتعددة تصورها الشخصيات، فهي المسؤولة بدرجة أكبر من بقية المكونات الأخرى عن طريق عرض الأفكار والتحكم بخط سير الأحداث "[1]أو مواجهة الأمور التي تقف حيال تأديتها.

دلالة العنوان:

جعلت السيمياء من العنوان مصطلحا إجرائيا ناجحا في مقاربة النّص الأدبي، و"مفتاحا أساسيا يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقها و تأويلها" [2]، فهو أوّل لقاء يسجله المبدع مع المتلقي. والقارئ لنصّ الدّخان يرى أن عنوان الرواية يحمل دلالات موحية تظهر أمام القارئ في كل محطة من محطاتها.

ويظهر ذلك في قول المؤلف: "وفجأة يفيق أهل القرية ليجدوا أنفسهم في غمرة هذا الزوال، كانت الثورة قد دخلت عامها الثاني وتتالت عليهم غمامات القنابل، وموجات من الرصاص فاندلعت النيران بدخانها الكالح من بعض الأكواخ، وفزع الأهل، فرنسا غضبت"[3].
ويظهر أيضا في قوله: "وتراءت القرية من بعيد من قمم جبال مجردة، والكل يعلم أن هذه بداية لرحلة طويلة يجب أن تنتهي يوما ليفرح كل الشعب، كما ينتهي حريق مهول لا يبقى منه إلا الرماد، وشيء من الدّخان" [4]

دلالة صورة الغلاف

تبقى صورة الغلاف الأمامي، الجزء المهم الذي يشارك بدلالاته داخل الرواية، إذ ترتسم الصورة الفنية المرسومة على الواجهة الأولى للرّواية، التي كتب فيها العنوان بلغة الدّم في وسط غيرة جسدها اللّون الأصفر والبنيِّ غيرة على الوطن على الأم التي عانت فقدان فلذات كبدها وعلى ملامحها علامات الحزن والأسى و والقلق النّفسي.

خلقت هذه الألوان دورا فعّالا في بناء الرواية، بحيث عملت على رسم حجم المأساة التي سجلتها الثّورة وقد طغى فيها اللّونان الأصفر والبني، ويعتبر هذان اللّونان رمزا لمشاعر الحزن والمأساة والألم والغبن الذي عاشه الجزائري في فترة الاحتلال، لينفرد اللّون الأحمر كغيمة في الوسط، وهو أن هذا الظلم لا يمكن أن ينجلي إلا بالدّم.

جاء العنوان الذي شكل باللّون الأحمر وسط معركة جسدها كلّ من اللّون الأصفر والبني لتسليط الضّوء على حقبة مريرة من حياة الجزائري، وهي مرحلة رفض المستعمر والنّهوض لإقامة جزائر جديدة.

كما جاء الإهداء تأكيدا على انتماء الروائي السياسي ووعيه بحجم وجع الشعب الجزائري في هذه الفترة، فقد أهدى الكاتب روايته "إلى شهداء الجزائر والمجاهدين المخلصين"[5].

أصبح ثورة المليون ونصف مليون شهيد ذكرى لكفاح شعب أراد للجزائر أن تحيا وهو ما جرى في حوار سي أحمد وسي الطيب:

"أنسيت كمال ابن مباركة؟ أنسيت الشعب الذي يموت كل يوم، وما بقي إلا النار، يكفينا ذل وهوان، إخواننا يموتون جوعا وبردا من اجل الأرض، يجب أن نموت، أو نطرد فرنسا"[6].

وفي حوار آخر:

"آه ما أحلى أن نشقى من أجل الآخرين، سعيد من يكافح لغيره، سأكافح من أجل الآخرين، سأكافح من أجل ابني علي الذي لم تضعه زكية بعد، سأعلمه كيف يقهر العدو، وكيف يكره الاستعمار وكيف يرفض الظلم والقهر "[7].

وتعد الرواية نموذجا لآلام شعب أبطال يعيشون بين جبال مجردة يعانون من ويلات المستعمر الفرنسي، وقد تجرع هذه المأساة كل من الرّجل والمرأة والطّفل والشيخ. وتقاسم الأدوار في هذه الرواية كلّ الشّخصيات التي سجلت دورها الفعال والحيوي بصفة دائمة. ويمكن أن نسرد شخوص الأسر التي ساهمت في هذه الرواية كتالي:

= أسرة سي أحمد تتكون من الزوجة زكية وهي حامل وطفلة صغيرة في السن.

= أسرة رابح تتكون من الزوجة عيشة والابن لخضر الذي بقي له على قيد الحياة، كل أبنائه أكلتهم رصاصات الاحتلال يوم مظاهرات 08/05/1945.

= عائلة الشّنبيط أو الباشا وهو أخو سي رابح لكن أنكر هذه الأخوة حين أعلن رابح رفضه للاستعمار، زوجته عجوز تعمل على إعداد الطعام (الكسكسي) كل ليلة للكبيتان (الضابط) وجنوده.

= عائلة ليلى والتي تضم الأم والخال.

يهيمن عنصر الشخصية في البناء الفني للرواية بدرجة كبيرة وفعالة، وقد ظهر ذلك في مجموعة من المحطات التي يقف أمامها القارئ قدرت بحوالي 15 محطة تحمل كل محطة.

وتنوعت الشّخصيات في رواية "الدخان"، واختلفت طباعها ومواقفها إزاء ثورة التّحرير الكبرى، وإن كانت في معظمها تنتمي إلى الطّبقة العامية إلا لخضر.

نالت شخصية سي أحمد حظّاً وافرا من الرواية باعتباره نموذج المجاهد الجزائري إبان الاحتلال، فهو العنصر الحيوي الذي يحرك شخوص الرواية في سبيل تحقيق هدفه، لأنّ تحركات البطل ومواقفه وتعاملاته هي بؤرة العمل الفني ككل، فالمتلقي سيبني فكرته بناء على هذه البؤرة الدلالية المشكلة في الشّخصية البطلة:

"إنه كان رجلا جوادا ففي كل ليلة بعد أن يصلي صلاة العشاء يكون قد حضر إبريق الشاي وبعض الفناجين –المكسر نصفها– قد أعدتها له زوجته ليحملها إلى دكانه يقضي بها سهرته، وكان لا يلبث أن يسأل زوجته قبل خروجه أن كانت قد وضعت –عرف– النعناع فترد زوجته هو في السكرية [8].

تعددت خيبات وآلام سي أحمد في الرواية في عدة محطات بداية من استشهاد الابن داخل الدّكان على أيدي قوات الاحتلال. وقد تكررت شهوات القتل لديه خاصة بعد دخول الثورة "عامها الثاني وتتالت عليهم غمامات من القنابل، وموجات من الرصاص فاندلعت النيران بخانها الكالح من بعض الأكواخ، وفزع الأهل، فرنسا غضبت، أقلقها هدوء القرية، ثارت شهوتها للدماء والموتى"[9].

ومثّلَ استشهادُ ابنه علي أثرا عميقا في نفسه والدّافع الأول للرّحيل والصّعود إلى الجبل بين رجال الثورة وهو أبدا لم تفارقه أغنية الموت التي صنعتها فرنسا وهي صوت القنابل ورسم الدخان. وظهر ذلك في حواره مع سي الطيب:

"أنسيت ابني علي، أنسيت كمال ابن مباركة؟ أنسيت الشعب الذي يموت كل يوم، ما بقي إلا النار، يكفينا ذل وهوان، إخواننا يموتون جوعا وبردا من اجل الأرض، يجب أن نموت، أو نطرد فرنسا "[10].

يلتقي القارئ في محطة أخرى بشخصية قدور، الشّخصية التي تميزت بالصّبر والتضحية في مواجهة العقبات والأزمات التي خلقتها أيادي الاحتلال:

"نجح قدور في امتحان قبوله كرجل ثورة يحمل بندقية صيد تركها له أبوه، وكان القائد قد كلفه مراقبة تحركات الشّنبيط، واتصالاته بإدارة الاستعمار، كما كلفه بحمل أموال التّطوع كل أسبوعين إلى القاعدة الواقعة في ثنايا جبال مجردة[11].

ظهرت شخصيات الرواية ما بين مؤيد للثورة ورافض لها، فشخصيات سي الطيب وشخصية سي أحمد وسي قدور شخصيات وطنية دافعت عن قضية بلادها حتى الموت.

وثمة شخصية (لخضر) ابن الشيخ رابح الذي أحب بتريسيا ابنة الكبيتان وكان هدفه الخروج من الحلقة الدّامية والهروب من الواقع المؤلم الذي يعيشه الوطن إلى فرنسا وهذه الفكرة لم تفارق خاطره أبدا فهو يقول:

"غدا عيد ميلاد باتريسيا، ابنة الكابيتان، وأنا مدعو للحضور، وهي فرصة لا يمكن أن أضيعها، وسوف أخبرها عما يجيش في قلبي منذ سنوات، سأقول لها بأنني تركت القرية وأمي وأبي من أجلها، سأبوح لها بحبي السّاكن في ضلوعي وسوف أتزوجها ونغادر هذه البلاد نهائيا لنعيش في فرنسا"[12].

وهناك شخصية (الشنبيط) الذي يعتبر من الخونة، الذين يكنون عداء للوطن وقد ظهر أيضا باسم الباشا عند الجنود الفرنسيين كما تسبب في مقتل العديد من الأشخاص الذي يرى أنهم "مساكين ويتدخلون في السياسة"[13].

ويظهر الكاتب في كل سطر رغم أنه لم يعش ويلات الحرب التحريرية الكبرى، لكنّه جسدها صورة حية أمامنا، وقد أكد ذلك في قوله:

"وقد كتبت هذه الرواية ، وأنا على مقاعد جامعة عنابة ولم أتجاوز الرابعة والعشرين، وكلما أعود إلى صفحات هذه الرواية أتعجب أيما عجب بتأثري العميق بثورتنا العظيمة التي لم أعش يوما منها [14].

اعتمد الكاتب في بنية روايته على تحريك الشخصيات بصورة تجلب اهتمام القارئ، بحيث جعلها حيوية تتفاعل مع الأحداث بصفة دائمة، مما خلق جوا فنياّ داخل الرواية أضفى عليها الصّدق الذي حرك مشاعر المتلقي.
ونجد أن المؤلف قد وفق أثناء تصوير شخصياته في رسم الصورة الفنية التي تتلاءم مع كل شخصية من شخصياته، بحيث جعلها تمتثل أمامنا حية تتحرك، تفاعلنا مع حزنها وألمها وخاصة أن القضية وطنية تمس كل جزائري غيور على وطنه.

= = = = =

الهوامش

[1] حسين فهد، المكان في الرواية البحرينية، دراسة نقدية، فراديس للنشر والتوزيع، بيروت، ط2003، ص 45.

[2] جميل حمداوي، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، الكويت، ص96.

[3] نوار عبيدي، الدّخان، مطبعة المعارف، ط1 ،2003، ص 27.

[4] المصدر نفسه، ص133.

[5] المصدر نفسه، ص1.

[6] المصدر نفسه، ص50.

[7] المصدر نفسه،ص49.

[8] المصدر نفسه،ص2

[9] المصدر نفسه، ص 27.

[10] المصدر نفسه، ص 50.

[11] المصدر نفسه، ص51

[12] المصدر نفسه، ص34.

[13] المصدر نفسه، ص 8.

[14] المصدر نفسه، ص 1.

D 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013     A مليكة فريحي     C 0 تعليقات