هدى أبو غنيمة - الأردن
ذهب الخريف
آنست الشجرة وحشتي في تلك الأرض الغريبة، وحشة فارس عربي غابت الشمس عن زمنه. وهل الفروسية صفة للرجال دون النساء؟
تراءت لي تلك الشجرة بألوانها الفاتنة والشمس الخريفية الحانية ترسل أشعتها بين الأغصان حكاية حياة.
أوراق خضراء وأوراق تميل إلى الاصفرار، وأخرى ذهبية اللون تتأرجح على أغصانها.
هبت ريح خريفية، فتساقطت الأوراق الذهبية على أرض الساحة المحيطة بالدار وتبعثرت في أرجائها.
كم من البشر يتساقطون كل يوم مثل هذه الأوراق! وكم من الحكايات المكتوبة على هذه الأوراق لو استطعنا تظهيرها أو أرهفنا حواسنا الداخلية لمعرفة ما تختزنه من أسرار!
تراءت لي وجوه كثيرة تساقطت مثل هذه الأوراق، وقبل أن أسترسل في تأملها قاطعني صوت آلة عامل القمامة الحديدية وهو ينظف الساحة ويلاحق الأوراق وهي تبدو كأنها تهرب منه.
كنت أرقب المشهد من النافذة وبلا تردد قلت: لا، دعها.
نظر نحوي العامل بريبة. رفع حاجبيه ثم أكمل عمله مطرقا.
باغتني صوت أمي: ألم أقل لك إنك اخترت طريقا شاقا محفوفا بالمخاطر والمتاعب؟
قلت وعيناي معلقتان على أوراق بقيت تتأرجح على أغصانها: لولا انصهاري في حرارة التجربة لما اكتسبت صداقة الحياة وعزيمة الفرسان .هل كنت تؤثرين أن أكون دمية؟
قالت: لا، ولكنهم أطفأوا وهج روحك، ولم تستمتعي بزهرة عمرك. وضعوا العثرات في طريق طموحك، وطوقوا أحلامك بالشوك. لولا ذلك لأنجزت أفضل مما فعلت في رحلة عمرك.
قلت: لا أحد يحاصر الأحلام. الحلم دوما طوق نجاة. لولا المشقات لما عرفت قيمة ذاتي وهبة إنسانيتي، وحسبي أنني مثلت لهم تحديا لم يستطيعوا تجاوزه.
لمعت على صفحة الذاكرة أحداث ومواقف كانت قد سقطت مثل ذهب الخريف إلى أعماق سحيقة من ذاتي، كنت قد تناسيتها خشية أن أتذوق مرارتها مرة أخرى.
مر في خاطري شريط طويل كنت فيه ذاتا وموضوعا في آن معا .
تنبهت من تداعيات خواطري على صوت قطرات مطر حانية على زجاج النافذة وعطر التراب المندى بالمطر يعبق في الروح واعدا بعطاء جديد.
◄ هدى أبو غنيمة
▼ موضوعاتي
4 مشاركة منتدى
ذهب الخريف, إبراهيم يوسف - لبنان | 26 كانون الثاني (يناير) 2015 - 09:36 1
شكرا لك سيدتي وقد أعدتنا مجدداً إلى جوزيف حرب" والورق الأصفر وشهر أيلول" وأيقظت في ذاكرتي من عهد الطفولة الأولى قصيدة ليوسف غصوب حفظتها عن ظهر قلب - "نثر الخريف على الثرى أوراقه"- من ديوانه القفص المهجور والعوسجة الملتهبة وهذه بعض أبياتها:
نثر الخريف على الثرى أوراقه
فتناثرت كتناثر العبرات
يتركن أغصاناً ألفن عناقها
ويقعن فوق الأرض مضطربات
تلهو بهن يد الهواء هنيهة
وتعود تجمعهن بعد شتات
فكأنهن إذا خفقن جوانحي
وحفيفهن كأنه زفراتي
الخريف صورة مجازية مؤثرة تشير إلى التجربة المؤلمة والنفوس المثقلة بالحزن وأعباء الحياة، و"جمالية" الموت في النثر والشعر والموسيقى ومختلف الفنون.
1. ذهب الخريف, 27 كانون الثاني (يناير) 2015, 16:05, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
أ/ إبراهيم كل الشكر والتقدير لمرورك وملاحظاتك التي تثرينا وتضيف إلينا من مخزونك الثقافي الثري.
ذهب الخريف, ايناس ثابت اليمن | 26 كانون الثاني (يناير) 2015 - 21:34 2
الحلم طوق نجاة كما كتبت، وهو مايجعلنا نتمسك بالحياة حلوها ومرها، وورق الخريف سنة من سنن الحياة.
شكرا لنصك الجميل.
1. ذهب الخريف, 27 كانون الثاني (يناير) 2015, 16:01, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
أ/إيناس كل الشكر والتقدير لمرورك الكريم دمت بخير
ذهب الخريف, مهند فوده - مصر | 27 كانون الثاني (يناير) 2015 - 22:56 3
والقاريء يقرا نصك الرائع القصير.. لا اراديا يتذكر اوراقا اسقطها وذهب بها الخريف .. ولكن هل ذهب بها الخريف فعلا؟ .. ام ابقی بداخلنا اثارا لها لنتذكرها كل خريف مع اوراق اخری يسقطها .. ربما حاولت البطلة الا تتذوق مرارة فصول خريف ماضية مرت بها.. ولكني اعتقد انها اذاقت بعضا منها للقراء. سلم قلمك ودام حضور نصوصك وتاثيرها علی متلقيها
1. ذهب الخريف, 28 كانون الثاني (يناير) 2015, 16:59, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
أ/مهند فودة كل الشكر والتقدير لمرورك الكريم وملاحظاتك ,أما قصر النص أو طوله فهو يرتبط بالفكرة أو زاوية النظر فمن محاذير القصة أن يطيل الكاتب فيقع في فخ الثرثرة.شكرا لك مرة أخرى
2. ذهب الخريف, 28 كانون الثاني (يناير) 2015, 18:31, ::::: مهند فوده- مصر
النصوص القصيرة تحتاج حرفية اكثر في كتاباتها, كيف ان تصل للقاريء الفكرة والمعنى في اقل عدد من السطور .. ولهذا وصفت نصك "القصير" بالرائع .. شكرا لكِ
3. ذهب الخريف, 28 كانون الثاني (يناير) 2015, 19:07, ::::: هدى أبو غنيمة الأردن عمان
شكرا لاهتمامك أستاذ مهند وملاحظاتك موضع تقدير.
ذهب الخريف, هدى الكناني | 31 كانون الثاني (يناير) 2015 - 20:56 4
استاذتي الفاضلة
يا حنان عود الند العبق بالثقافة
ما رايت وانا اقرا نصك سيدتي اﻻ اوراق ذهبية من رقة تتساقط
دمت ودام قلمك النازف انسانية
هدى