عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى أبو غنيمة - الأردن

ذهب الخريف


هدى أبو غنيمةآنست الشجرة وحشتي في تلك الأرض الغريبة، وحشة فارس عربي غابت الشمس عن زمنه. وهل الفروسية صفة للرجال دون النساء؟
تراءت لي تلك الشجرة بألوانها الفاتنة والشمس الخريفية الحانية ترسل أشعتها بين الأغصان حكاية حياة.

أوراق خضراء وأوراق تميل إلى الاصفرار، وأخرى ذهبية اللون تتأرجح على أغصانها.

هبت ريح خريفية، فتساقطت الأوراق الذهبية على أرض الساحة المحيطة بالدار وتبعثرت في أرجائها.

كم من البشر يتساقطون كل يوم مثل هذه الأوراق! وكم من الحكايات المكتوبة على هذه الأوراق لو استطعنا تظهيرها أو أرهفنا حواسنا الداخلية لمعرفة ما تختزنه من أسرار!

أوراق شجر في الخريفتراءت لي وجوه كثيرة تساقطت مثل هذه الأوراق، وقبل أن أسترسل في تأملها قاطعني صوت آلة عامل القمامة الحديدية وهو ينظف الساحة ويلاحق الأوراق وهي تبدو كأنها تهرب منه.

كنت أرقب المشهد من النافذة وبلا تردد قلت: لا، دعها.

نظر نحوي العامل بريبة. رفع حاجبيه ثم أكمل عمله مطرقا.

باغتني صوت أمي: ألم أقل لك إنك اخترت طريقا شاقا محفوفا بالمخاطر والمتاعب؟

قلت وعيناي معلقتان على أوراق بقيت تتأرجح على أغصانها: لولا انصهاري في حرارة التجربة لما اكتسبت صداقة الحياة وعزيمة الفرسان .هل كنت تؤثرين أن أكون دمية؟

قالت: لا، ولكنهم أطفأوا وهج روحك، ولم تستمتعي بزهرة عمرك. وضعوا العثرات في طريق طموحك، وطوقوا أحلامك بالشوك. لولا ذلك لأنجزت أفضل مما فعلت في رحلة عمرك.

قلت: لا أحد يحاصر الأحلام. الحلم دوما طوق نجاة. لولا المشقات لما عرفت قيمة ذاتي وهبة إنسانيتي، وحسبي أنني مثلت لهم تحديا لم يستطيعوا تجاوزه.

لمعت على صفحة الذاكرة أحداث ومواقف كانت قد سقطت مثل ذهب الخريف إلى أعماق سحيقة من ذاتي، كنت قد تناسيتها خشية أن أتذوق مرارتها مرة أخرى.

مر في خاطري شريط طويل كنت فيه ذاتا وموضوعا في آن معا .

تنبهت من تداعيات خواطري على صوت قطرات مطر حانية على زجاج النافذة وعطر التراب المندى بالمطر يعبق في الروح واعدا بعطاء جديد.

D 25 كانون الثاني (يناير) 2015     A هدى أبو غنيمة     C 9 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 104: الفقر والعدالة الاجتماعية

العربية الفصحى واللغة الثالثة

المواطنة بين الدين والعلمانية: لبنان نموذجا

الشعراء الجدد: ظاهرة إعلامية وصوتية؟

انزياح "الغريب" من خلال الممارسة النحتية لمارك بولياي