جهان حلو - فلسطين
ماجد أبو شرار: 36 عاما على الغياب
ملف: شؤون فلسطينية 2017
نلتقي اليوم لنحيي ذكرى مناضل كبير ترك بصماته المميزة في مسيرة الحركة الوطنية المعاصرة. نلتقي وقلوبنا حزينة على الواقع المأساوي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية وعلى المعاناة الهائلة لشعبنا داخل الوطن المحتل وفي الشتات. هل هذا قدرنا؟ أين التراكمات الثورية المواكبة للتضحيات الهائلة التي قدمت في مسيرة الحرية؟
في الليلة الظلماء يفتقد البدر. كم من نجم سطع في سماء نضالنا الطويل مضيئا طريقنا بقيم الثورة وقيم التنوير والثقافة مترجمة بممارسة عملية تعكس إنسانية عميقة واستعدادا لا متناهيا للتضحية! ماجد أبو شرار (أبو سلام) كان على رأس هؤلاء المناضلين، مثقف ثوري بكل معنى الكلمة. تم اغتياله من قبل الإرهاب الصهيوني عندما ازداد نجمه إشراقا وتأثيرا في مسار الثورة الفلسطينية وفي وعي الكوادر والمقاتلين.
من البديهي أن العدو الصهيوني يرتعب من الفكر المقاوم كرعبه من السلاح المقاوم وأكثر، لتأثير هذا الفكر في التطور الثوري. وقد عمل بشكل حثيث على اغتيال وتغييب حاملي الفكر والإبداع بوسائل شتى إن كان بشكل مباشر أو من خلال أعوانه من الدكتاتوريات والرجعيات العربية. والأسماء كثيرة.
ماجد، أبو عمر (حنا ميخائيل)، غسان كنفاني، ناجي العلي، وائل زعيتر، كمال ناصر واللائحة تطول. وكذلك محاولة اغتيال الدكتور أنيس الصايغ وبسام أبو شريف. لم يستثن العدو ممثلي المقاومة في الخارج في محاولة لمنع وصول صوتها إلى العالم واغتال العديد من المناضلين مثل محمود الهمشري وعز الدين القلق ونعيم خضر وسعيد حمامي. ولا عجب أن يحاول اليوم إسكات مناصري القضية الفلسطينية بتهمة معاداة السامية.
العدو هو العدو. يستعمل كل وسائله الإرهابية لإنهاء المقاومة الفلسطينية ومتابعة التطهير العرقي وتهويد فلسطين لترسيخ وجوده العنصري الاستعماري على أرضها. ومن المحزن أن نرى أن سيرة هذه الكوكبة من المثقفين الثوريين غائبة أو شبه غائبة عن المشهد الفلسطيني الرسمي وعن الرواية المتداولة لتاريخ الثورة المعاصرة، وإن انتشرت، فذلك بفضل الرفاق والأصدقاء والعائلة. وهذا يضعنا أمام تحديات كبيرة لكنها غير مستحيلة. علينا إحياء ذكرى هؤلاء المناضلين ونشر القيم الثورية التي استشهدوا دفاعا عنها فهذا جزء من معرفة تاريخنا. فمن لا يعرف تاريخه لا يمكنه أن يفهم حاضره ولا يمكنه أن يبني مستقبلا مشرقا لشعبه.
ماجد أبو شرار وأبو عمر وغيرهما آمنا بان الثورة علم، وشروط نجاحها تعتمد على الاستراتيجية الواضحة والبرامج القائمة على فهم الواقع وعلى استعمال الأدوات المناسبة لإحداث التحولات الثورية. هل كانت هذه الرؤى متناقضة لما وصلنا إليه اليوم خاصة مع اتفاقية أوسلو الكارثية؟
سنوات طويلة مضت على استشهاد القائد العظيم ماجد أبو شرار ولم يخف حزننا أو إحساسنا بالخسارة الفادحة في ظل غياب مفجع لقيادة أمينة جديرة بقيادة نضالنا والدفاع عن شعبنا في مواجهة التصعيد الصهيوني المحموم.
ميزت المناضل أبو سلام صفات عدة أهمها الثقافة الواسعة والفكر التنويري التقدمي وخطاب ثوري علمي بعيدا عن الفذلكة والأستذة. كما امتاز بتواضع شديد ودفء إنساني أكسبه شعبية واسعة واحترام ومحبة كل من عرفه.
وقد عمل على رفض الفوضى والشللية داخل الحركة وكل مظاهر الترهل والفساد والإفساد. وترافق ذلك مع حماس والتزام كبيرين على نشر الثقافة والوعي الثوري على كافة المستويات كشرط ضروري لبناء التنظيم الثوري وتطوير الجبهة الوطنية المتحدة.
آمن أبو سلام أن الثورة الفلسطينية طليعة حركة التحرر العربية وجزء عضوي من حركة التحرر العالمية. ورفض توجه القيادة لإعطاء الأولية للعلاقة مع الأنظمة العربية على حساب العلاقة مع الشعوب والقوى التقدمية، وعمل جاهدا على تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وكان من القلة من أعضاء المجلس الثوري لفتح التي عارضت (مبادرة فهد للسلام) السيئة الصيت التي تبنتها حركة فتح آنذاك.
انحاز ماجد لقضايا المسحوقين والمظلومين ونرى ذلك في مجموعته القصصية "الخبز المر". وأعطى أهمية خاصة لقضية المرأة. أوجعه التمييز والظلم الممارس عليها. آمن بأهمية النضال لتحقيق المساواة الكاملة للمرأة في المجتمع وفي صفوف الحركة. وعمل على نشر التوعية في هذا الموضوع بين الكوادر والمقاتلين. وفتح الباب واسعا لمشاركة المرأة في الإعلام الموحد وفي قسم السينما. لم يفصل بين الفكر والتطبيق ومارس قناعاته هذه بكل صدق في حياته الشخصية.
قلق ماجد كثيرا حين اختفى أبو عمر ورفاقه وتابع عن كثب الأخبار والتطورات والملابسات. أخبرني قبل انعقاد المؤتمر الرابع، حيث تم انتخابه عضو في اللجنة المركزية، أنه اتفق مع الأخ أبو عمار أن يتم تكريم أبو عمر وإعلانه عضوا رمزيا في المجلس الثوري للحركة. كانت كوادر الحركة مستاءة من التعتيم على الموضوع وعدم الإعلان عن الحقيقة رغم أهمية أبو عمر والمناضل الكبير نعيم الوشاحي، عضو المجلس الثوري وقائد نسور العرقوب ورفاقهما. مع الأسف، عتمت القيادة على الموضوع ولم تعلن شيئا حينها وحتى يومنا هذا.
خمس سنوات ما بين اختفاء/اختطاف أبو عمر واستشهاد ماجد. أصبحت الدلالات آنذاك واضحة كليا. فالهدف تغييب القيادات والكوادر الواعدة التي تمثل وتعزز الفكر المقاوم والمؤهلة لتطوير المسيرة الثورية وصولا للنصر.
في هذا الليل الحالك نفتقدك أكثر أيها المناضل الصلب والإنسان الكبير. ولكننا نطمئنك بأن شعبنا العظيم مستمر في نضاله على طريق الكرامة والحرية.
= = = = =
تقرير مصور عن ندوة في مركز معروف سعد احياء للذكرى السنوية السادسة والثلاثين لاستشهاد المناضل ماجد أبو شرار. يظهر في التقرير كاتبة الموضوع أعلاه.
- لافتة العدد الفصلي السابع عود الند
◄ جهان حلو
▼ موضوعاتي