عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سالم ياسين - لبنان

صور من المقهى


تلاقت عيناهما عرضاً. ابتسمت في سرها ونصبت صدرها ممعنة بإبراز جمالها، واختطفت نظرة أخرى لترضي غرورها بمدى حسن من يرمقها بالنظر. ومضت مزهوة.

تساءل في سرّه: متى ينتهي هذا الكسول من احتساء قهوته وينفحني قليلاً من المال؟ ليته يتردد على المقهى أكثر فأكثر "فالقرش على القرش يجمع."

كان يملأ المقهى مرحاً وجذلاً بخصلات شعره الذهبية. تكور كرشه ولم تعد تلمع عيناه إلا حين يستلم مني غلّة اليوم لورثة أبيه.

رماد في عينيه وإرهاق من يوم حافل. يخربش بعض الكلمات بحدس. لمجيء صديقتها الحسناء برفقتها ستأخذ مسافة وتتعنت. يثور قلبه كبرياء. ولكن سيحاول من جديد.

فنجان قهوة وجريدة يومية. قبل أن يأتي الرفاق لنقاش الأوضاع السياسية الحامية. ولكن من سيدفع ثمن القهوة هذا اليوم؟

سددت أول قسط للمدرسة اليوم، وأحتاج منك لخدمة بسيطة في التوسط مع إدارة المدرسة لبعض الحسم من قسط أخيه الأصغر في سنته الدراسية الأولى.

سأقضي وقتي مع الرفاق وأطوي صفحة هذا النهار البائس. وسأبدأ بالتثاؤب قبل الوصول إلى المنزل فلا طاقة لي لسماع الثرثرة والتأفف.

كانت معلمتي في صف اللغة الفرنسية. داومت على الحضور ثلاثة أيام متتالية فقط قبل أن أستسلم لليأس من التلفظ بكلمة واحدة بمثل غنجها ودلالها. لا تزال تحتفظ بسحرها وجمال نهديها.

لماذا لا تستطيع أن تكون ولية أمر نفسها؟ نحن راشدان ونود الاقتران بالحلال. لن يوافق أهلها لو طبقت السماء على الأرض أن تكون زوجة ثانية.

هذا زبون جديد. لم أخبره عن سبب إعاقتي بعد. وكيف صدمني سائق سيارة وكالة الغوث، وأقعدت عن عملي في شركة الكهرباء، ولا زلت أواظب على الحضور إلى المقهى. قد نتحدث طويلاً قبل أن يمل كغيره من حديثي السقيم.

لا تنفجري غضباً. إنها زلّة صغيرة لم أستطع كبح جماح نفسي، وهي من راودتني عن نفسها. وليست أكثر من قبلة.

في عينيك أرى الدنيا مبتسمة والألوان أنقى وأجمل. أحبك جداً وأنتظر بفارغ الصبر موافقة أهلك كي أتقدم بطلب يدك من جديد. جنيت ما يكفي لشراء شقة صغيرة والتيسير من الله.

لا زالت بطاقات اليانصيب معي كما هي. الحرب أبعدت الناس عن الشراء، وكأنهم في صحوة حول الحلال والحرام والموت قريب. إن لم أمت جوعاً. سيقبلون بعد الحرب من جديد. ليتها تنتهي قريباً.

تناول على عجل باقي الحساب وانطلق خارج المقهى بعد أن ألقى نظرة سريعة إلى صورته في المرآة كي يتأكد من حسن هندامه قبل الوصول إلى موعد مقابلة العمل الثالثة خلال هذا الشهر.

وتأمل كثيراً. ثم بدأ كتفاه يتضاءلان من حجم من يحمل آمالهم معه. وجفل قلبه مرة جديدة، وتابع طريقه مقطباً حاجبيه.

لن أترك له مجالاً ليستغلني بعد اليوم. فالحرب قاسية ولا أستطيع المغامرة دائماً للوصول إلى مكان العمل بهذا الأجر الزهيد. سمعت مرة أن العديد من الشركات يدفع للموظفين بدل مخاطرة مزاولة العمل في مثل هذه الأوقات. كلنا نخاطر والموت واحد.

سأنهي كلماتي هنا. فقد سئمت من مرارة التبغ والقهوة. قد نقرأ سوية هذه الكلمات وكفها ترفرف في يدي عصفورا أبيض.

D 1 كانون الثاني (يناير) 2007     A سالم ياسين     C 0 تعليقات