عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أميمة أحمد - الجزائر

من دفاتر المنفى: آلام الأمومة


أميمة أحمدكانت بايا متعبة حد الإرهاق في تلك الليلة الباردة في عز الشتاء من شهر كانون الثاني/يناير، فقررت النوم باكرا. ليس من عادتها أن تنام الساعة التاسعة والنصف. مضى زمن بعيد على تلك المواعيد المبكرة في النوم، يوم كانت تعمل مع إذاعة عربية. عندئذ كان لزاما عليها الاستيقاظ باكرا، في السادسة على الأقل لتقرأ الصحف وتعد تقريرها قبل الثامنة. أما الآن، وبعد العمل مع إذاعة غربية، الأمر يختلف تماما، ولعله يتلاءم مع طبيعة بايا التي كانت لا تنام قبل الفجر.

اليوم كان قراراها خلاف مألوف عادتها. همت بالذهاب إلى غرفة نومها، ومنت نفسها بقراءة رواية "رحلة بلدسار" لأمين معلوف، وهي تسمع موسيقى اليوغا، فتسترخي أعصابها المرهقة لتنام نوما هادئا هي بأمس الحاجة إليه.

أصاخت بايا السمع إلى مواء قطتها مايا. بدا المواء مختلفا، تركت كل شيء في يدها وهرولت مسرعة إليها، تخشى عليها كابنة، استغربت سلوك القط حجل، صديق بايا في المنزل: كان يحوم حول صديقته مايا، ويلحس رأسها، ويضمها بين يديه، تاركا ثقله عليها، فضربته بايا معتقدة أنه يغازل "زوجته" مايا الحامل، وهو يمر بدورة شبق، لكنها لاحظت قبول القطة مايا لهذه الحركات التي اعتقدتها بايا مزعجة لقطتها.

لم تعرف بايا أن حجل كان يساعد مايا على الولادة إلا عندما رأت بضع قطرات دم على القطة مايا. هنا أدركت أن مايا المدللة في حالة ولادة، وتلاشت أحلامها بالنوم المبكر. فنادت جارتها علها تنصحها بما يُسهل الولادة على مايا، القطة الجميلة واللطيفة والتي تؤنس وحدتها. لم تجد بايا ما يمكن أن تفيدها به جارتها، فاختصرت الجلسة لتبقى وحدها مع حالة الوضع الثانية لمايا.

في العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر يوم الانتخابات المحلية في الجزائر، جاء المخاض مايا، ولم ينج أحد من مواليدها الثلاثة. جميعهم ولدوا ميتين. خشيت بايا أن تتكرر مأساة مايا، وتذكرت كيف بقيت مايا أسبوعا تموء بحثا عن أبنائها. وخافت بايا أن تكون ولادتها عسيرة وتتسبب بما لا تحمد عقباه، وراحت بايا تضرب أخماسا بأسداس، هل تطلب إسعاف مستشفى الحيوانات الأليفة لتولد في المستشفى؟ أم تبقيها في البيت فجميع القطط تولد لوحدها؟ هذا ما استقر عليه رأي.

راحت بايا تقطع الوقت باستخدام الحاسب بانتظار ساعة الميلاد. الساعة الواحدة والربع من ليلة الأربعاء، الخامس عشر من كانون الثاني/يناير سمعت بايا صوت مايا مألوما، فركضت تستطلع أمرها، فشاهدت ذيلا صغيرا خارج من مايا، ودمعة متحجرة في عيني القطة وهي تنظر لصاحبتها بايا بما يشبه التوسل أن تساعدها. انفطر قلب بايا ألما على قطتها المدللة. ماذا تفعل؟ فراحت تمسد على بطنها المنتفخ، وتقبلت مايا الأمر وبدت أنها ارتاحت لهذا التدليك. فجأة صرخت مايا بما يشبه البكاء وخرج ولدها الأول.

لم تكن بايا تتوقع أن تكون يوما قابلة لقطة وأن تشاهد هذه اللحظة النادرة في حياتها، حيث بدأت القطة تأكل مشيمة ولدها، ثم راحت تلحسه وهو يموء تحت لسانها الخشن تنظفه من دمائها، ثم حضنته بين يديها وراحت ترضعه. حينها طفرت دمعة بايا، لم تعد تدري فرحا بخلاص مايا، أم لأنها لم تذق لحظة الأمومة هذه. لكن فرحا غامرا في قلبها يتأجج، خاصة وأن مايا ولدت على سريرها الذي كانت تتساءل: "ترى من ينام عليه؟" فلا يزال جديدا. كان ابن مايا أول من نام عليه، واعتبرت ذلك فأل خير، فالخلق يدعو للفرح.

في الثالثة والنصف ولدت الثاني، والرابعة والنصف ولدت الثالث. مسدت بايا بطن القطة مايا، شعرت به خاويا، فراحت وحضرت لها بيضا وحليبا. لن تنسى بايا ذاك المشهد: القطط الثلاث يرضعون بنهم أثداء أمها، والأم تلعق البيض والحليب بنهم لا يقل عن نهم أبنائها، هذه الحياة والغريزة الفطرية التي يتساوى فيها الحيوان والإنسان. لكن الذي لم تفهمه بايا هو لماذا شعرت بألم في ظهرها وبطنها وساقيها بعد ولادة مايا القط الأول وكانت تساعدها؟ هل محبتها الشديدة للقطة جعلتها تشعر بآلامها؟ ربما هكذا هي آلام الولادة.

الساعة السادسة إلا ربعا صباحا كانت بايا مستلقية في فراشها تشكر الله أن الولادة تمت بسهولة، ونسيت قرارها بالنوم المبكر.

D 1 أيلول (سبتمبر) 2007     A أميمة أحمد     C 0 تعليقات