عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى جرادات - فلسطين

ياسمين أبيض


هدى جراداتتناولتني الأرض لقمةً سهلة، وقدّمتْ يديّ للهواء. بين نصف ونصف تنفرط ذاكرتي، وأغرق في وحشتها. لكنّي لم أنسَ زهر الياسمين وإكليله الذابل سريعا لفرط بياضه.

جاء أحمد أخي الأصغر الذي لم أنظر إليه منذ سنوات وأهداني قلبَه.

تعبتُ، تعبت من قلبه. أحمد لم يزل صغيرا رغم دخوله عامه العشرين. ورغم الحياة لم يزل صغيرا، يفكر في الوجود ولماذا هو هنا. ولم يعرف. وكلَّ مساء يأتيني، ويهديني قلبه. وأتعب.

* * *

وأنا، بين وقفة وأخرى، أحاول أن أدرك، أحاول أن أسرق من عمري لحظة أنسى فيها أين أنا وأدرك فيها قلبي فقط.

عند يتفتح الياسمين ينتشر البياض في كل سماء، وأنساق رويدا رويدا لذاتي. أحاول أن أكبر. من فرط جوعي لم أبكِ. خبأت ظلّي في حقيبتي لئلا أنساه على الأرجوحة.

* * *

رأيتها في مخيلتي: طفلةً صغيرة تلعب في الزقاق، وترسم بالطبشور حدود حياتها. قلتُ لها: "اشتقت لعمري الذي كان برفقتك." رفعت رأسها الصغير ورمقتني بنظرة بريئة، وتابعت لعبها.

* * *

اشتدّ بياض الياسمين مع مرور السنوات، واشتدّ غيابي عنكِ.

* * *

بعد سنوات مضت، كبرتْ قليلا ولكنها لا زالت تلعب في الزقاق. قلت لها: "لقد امتلأنا كثيرا بالمفردات، حبّذا لو امتلأنا قليلا بالإحساس" هذه المرة، ضحكت، وتابعت لعبها.

* * *

داخ الياسمين الأبيض من فرط دوراني به.

* * *

عدت سريعا لأقول لك: "أشتاق في وجعي إليك، لقد كبر قلبي بك." لم تلتفتي. ربما، ربما كبرتِ.

* * *

الآن أنتِ من أتى وطرق باب غربتي. قلتِ: "ما أقسى السلام! لا يعرفنا. لا وقت للورد في عرفه. لا الريح ميزانه ولا المطر." أدركت وقتها أنكِ قد كبرت حقا، وأن الحياة قد كبرت أيضا. أما أنا، فقد تأخرتُ قليلا عن الحياة.

هدى جرادات

موضوعاتي

بحث