عدلي الهواري
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء
تكرر الجدل الساخن حول تقييم شخصية أدبية شهيرة بعد الإعلان عن وفاة الشاعر اللبناني سعيد عقل. والنقطة الجوهرية في الجدل تدور حول صواب عدم الاكتفاء بتقييم شعره وضرورة إدخال المواقف السياسية والشوفينية لعقل في تقييمه. وموضوع كلمتي ليس تقييم سعيد عقل، بل التعليق على ظاهرة تقييم الشعراء والأدباء.
عند وفاة شخصية أدبية شهيرة في دولة عربية، يكون لها مريدون يلجؤون إلى التمجيد، فتكون الشخصية فريدة عصرها، ولن يجود الزمان بمثلها. وإذا كان في حياة الشخصية الراحلة ما يعرضها للنقد، يسعى المريدون إلى تبرير ما قالت أو فعلت. في مصر على سبيل المثال، يصعب الحديث عن نجيب محفوظ إذا كان في الحديث ما ينطوي على نقد له أو لأعماله. وفي لبنان، مريدو سعيد عقل يرونه عبقريا في الشعر وغيره، ويبررون له كل أقواله وأفعاله.
عندما يبدأ الجدل حول شخصية ما، يلاحظ أن بعض المقيّمين يعتبرون أنفسهم أكثر خبرة ودراية، بينما الآخرون ذوو معرفة سطحية. ولذا من ركزوا على الإشادة بشعر سعيد عقل قيل عنهم إنهم لا يعرفون من شعره إلا ما غنته فيروز، وبالتالي ليسوا مؤهلين للحكم عليه كشاعر بناء على مجمل إنتاجه الشعري.
وفي المقابل، هناك من دافع عن عدم إمكانية الفصل في التقييم بين المقدرة الشعرية والمواقف الأخرى، وبالتالي قالوا لا يمكن تمجيد الشاعر بناء على شعره الجميل ونسيان مواقفه الأخرى في السياسة وغيرها. وهناك أيضا بين المقيّمين من يقول إن الشخصية الراحلة لم تكن الوحيدة التي عليها مآخذ، ويعددون أمثلة على آخرين فعلوا شيئا يؤخذ عليهم.
لا أحد من المقيّمين يثبت في موقع واحد عند تقييم الشخصيات الراحلة، فشاعره أو أديبه المفضل تطبق عليه معايير معينة، ثم عندما ترحل شخصية أخرى لا تحظى عنده بالمكانة نفسها تختلف معايير التقييم، فإذا كان من محبي شاعر له مواقف سياسية لها من ينتقدها يصر على تقييم الشعر فقط، وعدم إخضاع الشاعر/ة إلى محاكمة سياسية. وبعد فترة تقصر أو تطول إذا رحل شاعر آخر في سجله ما يمكن أن يؤخذ عليه، يبدأ التنظير على عدم إمكانية الفصل بين الأدبي والسياسي.
من له الحق في أن يقيم؟ كل من يرغب في ذلك. هل هناك معايير موحدة وثابتة للتقييم؟ بالتأكيد لا، حتى لو كان النقاد أكاديميين مختصين، إذ لا توجد صيغة أكاديمية أو مدرسة نقدية واحدة. هل يمكن فصل مجال الإبداع عن المجالات الأخرى في تقييم شخصية ما؟ لا يمكن، وهذا ينطبق على جميع من رحلوا ومن هم على قيد الحياة.
الملاحظ أن كثيرين في الدول العربية يحبون ذكر أسماء شعراء وأدباء في سياق التمجيد فقط، على غرار ذكر شكسبير وغيره من الأسماء الشهيرة في الأدب الإنجليزي مثلا. ولكن يخطئ من يظن أن الكثير من الإنجليز يقبلون على قراءة شكسبير أو غيره رغم شهرتهم، ورغم كل التمجيد الهادف أيضا إلى تمجيد البلد نفسه من خلال الاحتفاء ببعض الشخصيات وتعظيمها.
في رأيي أنه من الواقعي أكثر التخلي عن بعض المصطلحات من قبيل العصر الذهبي والزمن الجميل، أو العباقرة، وخلاف ذلك. لا زلنا نحكم على الأدب والفن بعقلية تجاوزها الزمن منذ عقود. نحن اليوم في عصر تعدد الأصوات.
قد يحظى شاعر أو أديب بالشهرة أكثر من غيره، وقد تكون الشهرة مستحقة، وقد تسهم فيها عوامل أخرى، كالقرب ممن هم في السلطة والانتماء السياسي والإعلام، ولكن الشهرة لا تجيز أن نظل نعتبر هذه الشخصية أو تلك حالة استثنائية، ففي هذا مبالغة وظلم للأجيال الحالية والقادمة.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
المفاتيح
- ◄ شؤون ثقافية
- ◄ كلمة عدد
7 مشاركة منتدى
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, فراس حج محمد | 25 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 09:32 1
السلام عليكم، وكل عام وأنتم بخير
موضوع يستحق التأمل وإعادة القراءة، شكرا دكتور عدلي
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, رانيا كمال -مصر | 25 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 23:31 2
الموضوع غاية فى الأهمية وانا اتفق مع حضرتك فى اننا لا زلنا نحكم على الأدب والفن بعقلية تجاوزها الزمن منذ عقود دمت مبدعا دكتور عدلى وكل عام وحضرتك بالف خير وعود الند فى ازدهار دائم ولسيادتكم كل التحيه والتقدير
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 26 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 16:57 3
تحية طيبة موضوع هام وجدلي أعتقد أن الحكم على المبدع في إطار موقفه السياسي حكم غير دقيق تماما مثل ترديدنا للمقولة الشائعة((بين العبقرية والجنون خيط رفيع))الحكم للإبداع بغض النظر عن الموقف أو الرؤية التي قدتكون غير مألوفة أو غير متوقعة أو ردة فعل آنية المبدع إنسان أولا وليس رمزا أسطوريا ولابد من النظر إلى إطاره العرفي ومرجعياته الفكرية وقد يخطئ ويخالف الرأي العام أوسلطة المجتمع وهذالايبرر لنا عدم الاعتراف بعطائه.
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, هدى الكناني | 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 04:55 4
الاستاذ الفاضل
في معظم البرامج المتلفزة عندما يكون هناك موضوع حول رحيل احد العمالقة من فنانين او مطربين او ادباء.
تكون هنالك بعض الاسئلة التي توجه الى شخصية مقربة من الفقيد/ة ليلقي ضوئا على الانسان/ة لا الفنان/ة، ايمانا بان من حق القاريء او المتابع لمسيرة الفقيد/ة ان يعرف الجوانب الانسانية لتفسير وفهم اعماله كما دابنا في دراستنا لحياة الشعراء فبالامكان من خلال معرفة اسلوبهم في الحياة وتجاربهم ومامروا به من تفسير الكثير من المفردات التي قد نعجر عن تفسيرها ، خاصة الشعراء الاجانب.
موضوع قيم ويحمل في جوانبه الكثير.
بالتوفيق
هدى الكناني
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, إبراهيم يوسف - لبنان | 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 09:56 5
في اعتقادي ما من مؤشر دقيق- منصف أو مجحف حتى ولو أسسنا لمرجعٍ أدبيّ على غرار (Mètre Ėtalon) لقياس مستوى الأعمال الأدبية بدقة في النثر والشعر والفنون الأخرى، فما اختلاف الرأي إلاّ دليل عافية لا مؤشرٌ على عِلّة أو مرض..؟
ربما كان لازماً لكي نحسن الإحاطة بالأعمال الأدبية الشاملة التي لا يحصيها فكرٌ واحد، أن نخصص ناقداً لكل شاعر أو أديب أو فنان، وفي هذه الحالة ستأتي الأحكام مبرمة غير قابلة للدحض والتمحيص؛ فهل هذا ما نريد..؟ أما الفصل في قناعتي بين شخصية سعيد عقل الشاعر وشخصيته السياسية..؟ فتبقى مسألة قابلة للنقاش في الرفض والقبول.
يبقى القول إن ما غنته فيروز بلسان سعيد عقل؛ ليس بالشيء القليل. وتبقى الخلاصة الواقعية وفق ما أتى على لسان الأستاذ عدلي كاتب الافتتاحية، وهو يسأل ويجيب بأن من يرغب..؟ سيمتلك حق النقد والتقويم.
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, دكتور أشرف صالح - مصر | 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 10:08 6
سعادة الدكتور عدلي الهواري الموقر
أبارك لسعادتكم صدور العدد الجديد من عود الند
وعامًا سعيدًا عليكم وعلى الأهل والأصدقاء
بارك الله في عملكم وجهودكم من أجل خدمة الثقافة العربية.
كلمة العدد 103: تقييم الشعراء والأدباء, محمد السعودي | 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 - 20:40 7
شكرا د. عدلي على هذه الرؤية النقدية الثاقبة،
للأسف لا زلنا في الأطر الأولى للبحث في كنه الأشياء،
كلي أمل بالجيل الجديد وبالقراءة الفاعلة؛ فما كنت أحصده قراءة وبحثا في قريتي الوادعة في جنوب الأردن فاق كثيرا مما نلته في قاعاتي وصفوفي، ذلك أنني كنت حرا طليقا في تفكيري حتى دخلت أنظمة الجامعات العربية العقيمة فتواريت أمام حيلتي..
كلي سعادة بك وكلي شوق لأعداد مجلتنا التي تفيض إبداعا..
شكرا لاختيارك صورة بترا مكان الذاكرة وأمل صحرائي الجديد..