عــــــود الـــنـــــــد

صدر للكاتب الليبي عبد الله مصطفى شرف الدين كتاب عنوانه "السلطة المطلقة فساد مطلق" يناقش فيه مجموعة من المسائل التي أدت إلى تدهور الأوضاع في الدول العربية. في المقتطف أدناه يتناول الكاتب النتائج السلبية لمسألة مجانية التعليم.

إن فكرة مجانية التعليم، كما نادى بها الدكتور طه حسين في الأربعينات، باعتبار أن العلم كالماء والهواء يجب أن يصل إلى الجميع، هي فكرة لها جوانبها الإيجابية الجيدة والمفيدة اذا استطعنا أن نتفادى سلبياتها المدمرة، وذلك إذا توافرت الميزانية اللازمة لمجابهة زيادة عدد السكان الذي تترتب عنه زيادة عدد التلاميذ حيث يتطلّب ذلك زيادة عدد الفصول المدرسية ببناء الأعداد الكافية من المدارس كل سنة، وزيادة مرتبات المدرسين بالمستوى الذي يتوافق مع التضخم وارتفاع مستوى الأسعار في البلاد.

فإذا لم تتوافر هذه الميزانية المطلوبة، فلا بدّ حتما أن يترتب عن ذلك ما ترتب عنه من كوارث ودمار والأجواء الأخلاقية المنحدرة التي تعيشها مجتمعاتنا في هذه الأيام ... والشيء العجيب المذهل والذي يزيد المأساة دلالة ووضوحا ما ذكرته إحدى الجهات المختصة بالإحصاء في إحدى المجلات العلمية في أوائل هذا القرن الواحد والعشرين أن ما ينفقه أولياء الأمور على أبنائهم في المدارس الخاصة والدروس الخصوصية يبلغ حوالي 16 مليار دولار كل سنة.

وليتصور الإنسان أنه لو قدمت هذه المبالغ الضخمة إلى وزارة التربية والتعليم كرسوم مدرسية كما كان الحال في السابق قبل قرار (مجانية التعليم) المشبوه والذي دمّر التعليم، والأدهى من ذلك انه دمّر الأخلاق ونزل بها إلى الحضيض.