عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مازن أبو محفوظ - الأردن

مختارات: من الميلاد إلى الرحيل

كتاب عن فريح درويش أبو محفوظ


مازن أبو محفوظالنص أدناه مقتطف من كتاب لمازن أبو محفوظ عنوانه "من الميلاد إلى الرحيل" (ص ص 23-26)، وهو عن حياة والد المؤلف، المرحوم فريح درويش مصطفى أبو محفوظ، الذي تلقى تعليمه في بئر السبع، ثم في الكلية العربية في القدس، وتخرج منها في منتصف الأربعينيات، وعمل في فلسطين أستاذا للغة الإنجليزية، وانتقل عام 1949 إلى ليبيا، وعمل أستاذا ومترجما، وظل فيها حتى عام 1980، ثم انتقل إلى عمان واستقر فيها حتى وفاته في عام 2013.

.

ألهم الله والده المرحوم الحاج درويش بأن يعلمه في مدرسة بئر السبع الابتدائية، وهناك أنهى تعليمه فيها بتفوق، وعاد إلى أسرته في بادية بئر السبع. وفي يوم من الأيام، فإذا بشرطي يأتي من مدينة بئر السبع مبعوث من مدير المدرسة (حيث لم يكن هناك أي وسيلة اتصال كما هو في عصرنا الحالي) ليبلغ المرحوم وأسرته بأن المدير يريد أن يرسله إلى القدس لإكمال تعليميه.

في اليوم التالي، ذهب رحمه الله إلى مدير مدرسته، فنظر إليه المدير نظرة استغراب وقال له: "ما هذا؟ تريد أن تذهب إلى القدس بلباسك البدوي هذا؟" (الحطة والعقال والثوب). ثم أعطاه المدير من ماله الخاص ما يشتري به قميصا وبنطالا وحذاء. وهكذا كان.

ولما كان من الأوائل المتفوقين في المدرسة، فقد أكمل تعليمه في الكلية العربية في القدس، حيث كان يقيم في القسم الداخلي للطلبه في الكلية، وتكفل والده بجميع مصاريفه.

كان يعود في نهاية الأسبوع إلى عشيرته في قضاء بئر السبع، فما أن يقترب منهم حتى يقوم بتغيير ملابسه إلى الزي البدوي، والعكس صحيح عند عودته إلى مدينة القدس.

تخرج من الكلية في منتصف الأربعينيات متخصصا في أدب قواعد اللغة الإنجليزية، فعاد إلى مدرسته في مدينة بئر السبع ليعلم الطلبة اللغة الإنجليزية. ومن تلاميذه في تلك الفترة أخوه كامل درويش مصطفى أبو محفوظ والمرحوم أحمد سلمان سليمان أبو محفوظ والدكتور محمد علي العطاونة والمحاسب حاتم مجدي بسيسو وصباح سعود ثابت وغيرهم.

انتقل بعدها للتدريس في غزة، وبالتحديد في مدرسة الإمام الشافعي الثانوي معلما للغة الإنجليزية حيث كان يقيم عند عائلات غزاوية. ومن تلاميذه في هذه الفترة الأستاذ أديب الزعنون والطبيب أحمد الأعرج والمرحوم محمود الوزير والمرحوم المهندس كمال عدوان والمحامي جود السقا والمحامي عمران البورنو وغيرهم.

في 21/10/1984 سقطت مدينة بئر السبع في أيدي اليهود بعد مناوشات لعدة أشهر مع السكان العرب. وكان المرحوم والدي في هذه الأثناء مقيما في غزة، فتقطعت به الأسباب لمعرفة مصير أسرته وعشيرته، فقرر ومجموعة من الأساتذة الذهاب إلى ليبيا بالحافلات برا عن طريق مصر، ريثما تهدأ الأمور في بئر السبع وتعود إلى أصحابها.

وصل طرابلس الغرب في عام 1949 ليعمل في مجال تدريس اللغة الإنجليزية، حيث قام التعليم الثانوي في ليبيا على أكتاف هؤلاء الأساتذة القلائل. وكان يقيم عند عائلات إيطالية حيث كان يتقاضى راتبا شهريا 7 جنيهات ليبية، (وهو مبلغ جد كبير في ذلك الحين، ويقول الليبيون إن الأساتذة هؤلاء مصّوا دم البلد)، يدفع منها جنيه ونصف شهريا للعائلة الإيطالية مقابل السكن والطعام وغسيل وكي ملابسه. وهنا تعلم الإيطالية بالممارسة قراءة وكتابة ومحادثة، وهذا بحكم وجود الإيطاليين كمستوطنين في المملكة الليبية المتحدة آنذاك.

بعد سنوات قليلة، قرر السفر إلى عمان ليبحث عن أسرته وأين آل بها المآل، فنزل في أحد فنادق عمان وأخذ يمشي في منطقة الجامع الحسيني وشارع سقف السيل لعله يلتقي مع أحد أفراد عشيرته.

في هذه السنوات كانت عشيرته قد رحلت من قضاء بئر السبع إلى قرى الخليل ثم إلى ناعور ليستقر بها المطاف أخيرا في رأس العين في عمان.

ونتيجة إلى هذا التشرد، فقد ضاعت شهاداته ووثائقه الدراسية التي كانت في حوزة أسرته في بئر السبع، وكان يقول إنه يمكنه الحصول على قيودها من قبرص، ولكنه لم يحاول.

أثناء تجواله في شوارع عمان في بداية الخمسينات من القرن الماضي للبحث عن أسرتهـ التقى صدفة أحد أفراد العشيرة، وهو المرجوم نصر الله محمود محفظ أبو محفوظ. وهكذا كان الاجتماع بأسرته لعدة أشهر ليقرر بعدها العودة مرة أخرى إلى طرابلس الغرب.

JPEG - 25.3 كيليبايت
غلاف كتاب من الميلاد إلى الرحيل
D 23 نيسان (أبريل) 2016     A مازن أبو محفوظ     C 0 تعليقات