عباس علي موسى - سورية
ليس في الربيع وحده تزهر الحياة
مقالة عن تجربة الفنان التشكيلي السوري عيسى بعجانو (هيشون) في التعامل مع الأطفال. شاهد إحدى لوحات الفنان في ختام المقالة.
يخرج الأطفال إلى الشارع ينتظرون "المكرو" مع أمهاتهم أحيانا، أو مع إخوتهم، أو أصدقائهم. يختبئون بالياسمين أو الكينا أو... أو تحت مطرياتهم الملونة، ولحين وصولهم إلى المدرسة تعرّش على عيونهم وأصابعهم أشياء جميلة، فيخربشون تلك الصور منكسرة الزوايا والأحلام على كراسات رسمهم، أو حين يكونون على شغب يلونون حيطانهم أو حيطان الحارة، فينطبع اللون في عيونهم.
لكن ماذا لو نرتقي بهذه الألوان؟
إن حالة التمدن كانت أبدا محاولةَ سمو بالحالة الفطرية باتجاه الإبداع والارتقاء به، ومن هنا كان مشروع "الخطو الجديد" ليس وحده الفريد في المدينة ولا فيه من براءة الفكرة ما يخوّلها التفرّد، لكنّها من ضمن الخطى باتجاه هذا الارتقاء نحو التمدن في فكر الطفل.
انطلق المشروع من هذا الإيمان، سعيا لتغذية الحالة البصرية لدى الأطفال، من خلال نَكزِ مخيلتهم وتحريضها لرؤية الجميل، ومحاولة ربط الجميل باللون، فتغدو حركةُ حلزونة على العشب حالة جمالية، وتصبح البيوت الشعبية التي تسوّر أبصارهم وتحيطها، ذات دلالات جمالية، وتكسب البنايات العالية والبيوت الوطيئة مثل رسم شجرة سرو وإلى جانبها شجرة ياسمين.
يحاول الخاطون الجدد تمرير الصور من مخيلتهم إلى أقلامهم الملونة محاولين حينا تقليد الكبار (المعادلة هي ذاتها عند الكبار، حين يحاولون الرسم بمخيال الطفل)، وحينا ترك العنان لجموح خيالهم المليء بصور الضِيَع التي تسللت إلى ذاكرتهم عن طريق الأب والأم أو الجد، الجدة.
نحو ذاكرة ملوّنة
حين كانت الحياة بياضا وسوادا
ربما من الممكن والجميل زرع الألوان في ذاكرة الأطفال وتحويلها من مجرد أحلام متأثرة بأفلام الكارتون والحكايات إلى حالة جمالية وإبداعية بخطوات 1+2+... (كما كان صعبا نزع الأبيض والأسود من ذاكرة جيل تلفزيونات الأبيض والأسود، حيث كان كل شيء أبيضَ وأسودَ بسيطا في تدرّج ألوانه، كالحياة ذاتها وقتئذ).
في الخطو الجديد يتعلم الأطفال كيفية التعامل مع الألوان وتدرّجاتها بطريقة هي مزيج ما بين الفطرة البسيطة ومحاولات الخطوات الأولى للاحتراف، كما هو تدرّج أعمارهم فهم يتوزعون من سن الخامسة وحتى الخامسة عشرة، يذكرنا أحيانا بتلاميذ "طاغور" في مدرسته التي بناها في الغابة، وهنا ينمو الأطفال مع الأشجار ويدخلون "الضيعة" التي افتقدوها، من بوّابة اللون، فتغدو "الضيعة" التي يسمعون عنها دوما من الكبار مرسومة بإخفاق في كراساتهم.
ويسعى المعرض إلى توحيد الثقافة البصرية وترسيخها في وعيهم، أو على الأقل تقريبها، لأن الفارق العمري يصل في ذروته إلى عشر سنوات (حيث إن الفئة العمرية هي ما بين الخمس سنوات وبين الخمس عشرة سنة، فتتدرج الأعمار بين هاتين الفئتين، كتدرّج الألوان)، ويسعى المشروع إلى ترسيخ الأمكنة في ذهن الطلاب، حيث زيارة أماكن في المدينة وخارجها، فترتبط هذه الأماكن بذاكرتهم البصرية، وتأخذ طابعا ثقافيا في هذه الذاكرة.
ولكن ماذا عن مُنتج الأطفال؟
على الرغم من ثقافة "البوكيمونات" و"الأنيميشن" وأفلام الأبعاد الثلاثية، إلاّ أننا نجد في رسومات الأطفال ميلا باتجاه الطبيعي (أي الطبيعة بتكويناتها المختلفة، وحتى العناصر المحيطة بنا من غير الطبيعية: أشجار، مزهريات، تفاصيل المنازل) أي أن ثقافتهم البصرية هي من تحريض المكان ذاته، فهي غير مستوردة من مخيلة الآخر، ولا شك أنّ لتوجيه هذه المخيلة دورا هاما، وفيه الكثير من تحريض المكان/المرسم.
لا كسب سوى كسب الأصدقاء
هذا هو المعرض الخامس وقد انتهى منذ أشهر، وهي السنة الرابعة على انطلاق المشروع، والسؤال الذي يمكن أن يُطرح هو، هل كسب المشروع مشروع فنانين يمكن أن تقودهم الخطى باتجاه الفن؟ ربما نعم وربما لا، إذ أنّ الاحتمال وارد، لكن المكسب الأهم والمُراهن عليه، هو زرع اللون في ذاكرتهم، فالمشروع بالتأكيد وإن لم يكسب طفولة فنان ما، فإنّه سيكسبُ حتما متذوقي فن بطريقة ما، أو محبين له في المستقبل على الأقل.
= = =
لوحة للفنان التشكيلي السوري عيسى بعجانو (هيشون)
- لوحة