عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

صورة العالية في رواية قبّة آخر الزّمان

لعبد الواحد براهم


"قبّة آخر الزّمان" رواية تاريخيّة من التّراث للأديب عبد الواحد براهم. صدرت عن المدينة للنّشر سنة 2003. وأعيد نشرها سنة 2015 ضمن "ثلاثيّة الأندلس": قصص إنسانيّة في خضمّ الصّراع بين الحضارات، الّتي شملت أيضا "تغريبة أحمد الحجري" (رواية) و"إسبانيا حاضنة الأندلس" (رحلة). قُدّمت الرواية في إطار مشروع مسابقة موضوعها "القيم الإنسانيّة النّبيلة... أحداثها تتّجه إلى إحياء "المدينة" وإبراز جذورها الافتراضيّة المستمدّة من تاريخ تونس وتراثها وأهمّ شخصيّاتها الشّهيرة"، وهي الرّواية الفائزة بالجائزة الأولى لمسابقة مدينة "المدينة" للرّواية سنة 2002.

عبد الواحد براهمعبد الواحد براهم: أديب تونسي من مواليد سنة 1933. عمل بالتّدريس، وشغل وظائف ثقافيّة عديدة منها ملحقا بمكتب وزير الثّقافة، ورئيسا لمصلحة النّشر بالشّركة التّونسية للتّوزيع، وسكرتير تحرير مجلّة الفكر، وخبيرا بالمنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، ومديرا لمكتب المنشورات الجامعيّة، ورئيسا لاتّحاد النّاشرين التّونسيّين.

كتب القصّة والرّواية وأدب الرحلة وقصص الأطفال والشّباب، وله مساهمات نقديّة ودراسات منشورة في أكثر الصّحف والمجلاّت بتونس، وأشرف على جائزة مصطفى عزّوز لأدب الأطفال. حصل سنة 1978 على وسام الجمهورية، كما حصل على جوائز عديدة. ترجمت بعض أعماله إلى الفرنسيّة والرّوسية والإسبانية.

له مؤلفات عديدة منها: سيدي بوغرارة (قصّة للأطفال: 1968)؛ في بلاد كسرى (أدب الرّحلة: 1971)؛ ظلال على الأرض (قصص: 1997)؛ حبّ الزّمن المجنون (رواية: 2001)؛ أصوات قرطاج (مسرحية شعرية: 2008).


.

اختار الأديب عبد الواحد براهم القرن السّادس عشر ميلاديّا تاريخا لروايته، وتحديدا فترةَ تهجير المسلمين من الأندلس وبداية وصولهم إلى تونس، والصّراع التّركي الإسبانيّ في تونس[1] مستثمرا سيرة أحمد بن قاسم الحجريّ[2] وخطّته لترك الأندلس إلى المغرب ثمّ إلى تونس[3] حيث مدينة السّلام الّتي يحلم بها، والّتي يسودها العدل والطّمأنينة ويتعايش سكّانها في وئام وتفاهم[4]. واستعان في ذلك بشخصيّة بطل الرّواية: بدرو أو بدر الدّين بن محمّد الحجري ابن أخيه[5].

وهيبة قوية: كاتبة تونسيةتنقل الرّواية حكاية بدر الدّين الحجري، الطّفل الّذي ربّاه عمّه أحمد الحجري متخفّيا بإسلامه، خوفا من محاكم التّفتيش، ثمّ رحلته إلى تونس ضمن الجيش الإسبانيّ، وفق خطّة وضعها عمّه ليبحث عن أفراد عائلته (والديْه وزوجة عمّه). فقد رُحّلت عائلة بدر الدّين الحجري عن الأندلس بعد أن افتكّوه من حضن أمّه مثل كلّ الأطفال الّذين افتكّوهم من عائلاتهم المطرودة وأوكلوا تربيتهم إلى النّصارى. ولكن بفضل مكانة أحمد الحجري العلميّة وتقرّبه من النّصارى تماديا في إخفاء إسلامه، تمكّن من تربية ابن أخيه بنفسه على الإسلام.

وحين كبر بدر الدّين، سافر إلى تونس مع الجيش الإسبانيّ، ضمن الحملة على تونس والصّراع مع العثمانيّين، وتمكّن من الانضمام إلى الجيش المكلّف ببناء البستيون[6]. واستطاع بمساعدة تاجر موادّ البناء أحمد الجيّار من لقاء أبي الغيث القشّاش[7] في زاويته والّذي سهّل له أمر رحلة البحث عن عائلته في ربوع ولاية بنزرت، وتحديدا العالية حين أرسله إلى سيدي عليّ الشّباب[8].

كان أمل بدر الدّين وعمّه أن يصلا إلى مدينة السّلام. ولذلك كانت الحيلة للوصول إلى تونس والبحث عن أفراد العائلة، ومن ثمّة العيش في طمأنينة في مدينة "لا يدخلها إلاّ طالب الهناء والرّاحة" (ص 206). "مدينة السّلام، مدينة الأحلام" (ص 205). "هي مدينة لا تعرف روائح البارود ولا دخان الحرائق. لم تسمع أنين الجرحى ولا صياح الثّكالى. لم يعرف الألم طريقه إليها أبدا، وليس إلاّ السّرور الدّائم وراحة النّفس منذ أن تدخل أبوابها" (ص 201).

وقد ورد ذكر مدينة السّلام، المدينة الموعودة، وإن توضّح في كلّ الرّواية أنّ تونس كلّها، ورغم ما شهدته من صراع الأتراك والإسبان، أرض سلام وخاصّة للأندلسيّين الهاربين بدينهم وحياتهم، فيصفها الكاتب في بداية الرّواية (ص 34) في قول بدرو لنفسه: "ليتني آخذك معي يا خوانا إلى مرافئ النّجاة. لقد وجدت مدينة لا تصل إليها نيران المنتقمين. طيري بها أيّتها الرّياح. خذيها إلى مدينة الرّحمة حيث لا ضيم ولا ضرار، فكلّ الأطفال سواء، وكلّ الرّجال سواء، وكلّ النّساء سواء. إنّني أراها الآن أبوابا عالية كتب عليها: ادخلوها بسلام آمنين".

وعاد الكاتب إلى ذكرها ومزيد وصفها في آخر الرّواية حين اجتمعت عائلة بدر الدّين في العالية ثمّ في زاوية القشّاش بعد ذلك. وتنتهي الرّواية بدخول عائلة أحمد الحجري إلى مدينة السّلام لتنفتح أكثر على القيم الإنسانيّة الثّابتة مثل التّسامح والأمان والسّلام. ولكن: ما علاقة العالية بأحداث هذه الرّواية التّاريخيّة؟ وبمدينة السّلام؟ وما هو دورها في سير أحداث الرّواية؟ وما الصّورة الّتي قدّمها بها الأديب عبد الواحد براهم؟

المكان وأهمّيته في الرّواية: العالية فضاء مكانيّ للرّواية

غلاف رواية قبة آخر الزمانحين يسافر بدر الدّين صحبة أحمد الجيّار إلى سيدي عليّ الشّباب، تصبح العالية والطّريق إليها فضاء للرّواية تدور فيها الأحداث، بداية من الصّفحة 107 في قوله: "أهالي صاحبك وضيفك توجّهوا إلى بنزرت. وصلوها أو توقّفوا قبلها فهذا غير واضح... والشّيخ نصر سيبعث لك كرّيطة[9] وبعض المؤونة ويوصيك بأخذ العائلة كلّها معك كأنّك ذاهب لزيارة سيدي عليّ الشّباب، وهذا أصلح للتّمويه على الحراسة ولإخفاء ضيفك في صورة امرأة من جملة أفراد العائلة" إلى الصّفحة 182 بعودة بدر الدّين إلى العاصمة للبحث عن عمّه أحمد الحجري الّذي خرج من الأندلس هروبا بدينه وحياته.

يقول (ص 182): "وعادت الكرّيطة من حيث جاءت قبل أسبوع ولكن بدون ركّابها الأوائل، ووقفت الأسرة كاملة تودّعها، الرّجال عند باب الدّار والنّساء فوق السّطح، أمّا الطّفلان فأخذا يجريان وراء العربة إلى أن دارت مع منعطف ينحدر بشدّة نحو السّهل".

على امتداد سبعين صفحة ونيف، تدور أحداث الرّواية في العالية أو في الطّريق إليها انطلاقا من زاوية أبي الغيث القشّاش بتونس، وفي زاوية سيدي عليّ الشّباب. ولئن جاء هذا الاختيار في ظاهره للتّوسّع في تاريخ الأندلسيّين المطرودين[10] بذكر تشتّتهم وحالهم وحال البلاد في أواخر القرن السّادس عشر وما فيه من صراعات انتهت بسقوط الدّولة الحفصيّة وتولّي العثمانيّين الحكم، فإنّه لا يخلو من التّخييل في صياغة الرّواية وأحداثها، وخاصّة في علاقة أبي الغيث القشّاش بسيدي عليّ الشّباب الّتي أفرزتها حبكة الرّواية انطلاقا من دور القشّاش التّاريخيّ في استقبال الأندلسيّين المهجّرين قبل توجيههم إلى بعض الأراضي التّونسيّة لتعميرها، كلّ مجموعة بحسب مهاراتها في العمل وخاصّة منه الفلاحيّ.

وتشكّل المكان تبعا لذلك باعتباره الفضاء الفكريّ والاجتماعيّ والتّاريخيّ الّذي تدور في فلكه الشّخصيّات والأحداث في هذه المرحلة من الرّواية. فالمكان إذن، مكوّن روائيّ جوهريّ، ومكان تاريخيّ أتقن الرّوائيّ استثماره لتتطوّر من خلالها الأحداث والشّخصيّات والعلاقات بينها.

الأبعاد الفنيّة والتّاريخيّة للعالية باعتبارها فضاء روائيّا: القيمة الفنيّة:

اهتمّت الرّواية بوصف المكان منذ خروج الجماعة من العاصمة. فوصفت الحِراسة المشدّدة على أبواب المدينة لينكشف معمار مدينة تونس العامّ، فهي محاطة بالأبواب والحراسة وتفصل بين عالمين داخلها وخارجها. وقد وصفتها الرّواية حين وصول بدر الدّين إليها وقدّمت صورة عنها.

كما تتوضّح صعوبة الخروج منها في تلك الظّروف العصيبة إبّان الحرب بين الإسبان والأتراك على تونس وانفتاحها على الطّرقات الّتي يتعرّض فيها المسافرون إلى النّهب. وقد احتاج بدر الدّين إلى خطّة لأجل ذلك وضعها له أبو الغيث القشّاش. فأوهم الحرّاس على الباب بأنّ القافلة في "مهمّة مقدّسة" (ص 111) تحمل مساعدات أبي الغيث القشّاش للفقراء في زاوية سيدي عليّ الشّباب. فمرّت القافلة من أمام الحرّاس الّذين تأكّدوا: "أنّهم لا يمثّلون خطرا، أو على الأقلّ لا علاقة لهم بالنّزاع الّذي هم فيه" (ص 111).

ونتبيّن من خلال هذا الموقف علاقتهم بأصحاب الزّوايا والّتي تكشف عن قيمة أهل العلم ومريديه ومكانتهم في نفوس النّاس وهيبتهم. حتّى في غيابهم لم تغفل الرّواية عن ذكرهم: "فيرتفع تبعا لذلك مقدار الخشوع في أعين الجند إذا كانوا مسلمين، بل قد يصيبهم الهلع إذا كانوا من الأعراب" (ص 111). وفي هذا أيضا إشارة إلى الأمان الّذي سيرافق بدر الدّين وهو يبحث عن عائلته وبأنّ الأمر ميسّر له على أرض تونس بفضل وصاية أحد علمائها.

يُفتح باب المدينة إلى العالية على جمال لافت اعتنى به الوصف فتوهّجت الطّريق بالمشاعر تتماهى فيه الطّبيعة الخلاّبة بمشهد رومنسيّ بين بدر الدّين ومرجانة فنغفل معه بعض الوقت ثمّ ننتبه حين ينتبه:

"دعيني أتملّى منظر الطّبيعة الجميل، إنّنا لم ننتبه إليها طول الطّريق. ألا تعجبك تلك الحقول اليانعة بخضرة لا تنتهي كأنّها سجّاد مخمليّ مطرّز. والأزهار من كلّ شكل ولون. انظري ما أجملها" (ص 115).

وكأنّ الطّريق مسار مشاعر تستقرّ بين الإثنين فننسى المكان حتّى نتفاجأ بكلام بدر الدّين، الأندلسيّ الآتي من الحجر الأحمر بغرناطة وبساتينها وجمال طبيعتها، والّذي رغم محنته لم تفته الإشارة إلى الجمال، فنعلم أنّ الرّواية تسير إلى طمأنة الشّخصيّة الرّوائيّة وتعدها بالسّلام الّذي جاءت تبحث عنه. بل كأنّ أبواب المدينة تنغلق على الحروب والنّزاعات، فمن يخرج من الحرب يستقبله الأمن في مكان ينعم باطمئنان طبيعيّ. هذه الطّريق نفسها سار عليها أوّل الأندلسيّين السّالكين إلى شمال تونس قبل بدر الدّين وبعده في آخر هجراتهم سنة 1609، فأسّسوا مدن سلام ما زالوا يعيشون فيها إلى اليوم[11].

لا يقف وصف المكان على الباب والطّريق، بل شمل موقعا كان سكنه الأندلسيّون في بداية هجرتهم إلى ساحل بنزرت. والمكان يسمّى باسم موطن مؤسّسيه "غرناطة" ولكن لم يسكنوه طويلا فقد اضطرّوا إلى تركه بعد هجمات الأعراب، وانتشروا في طرقات كثيرة أوصلتهم إلى ساحل بنزرت فعمّروه. ومنهم من سلك نفس الطّريق الّتي يسلكها بدر الدّين في الرّواية، فوصلوا إلى العالية وأسّسوها على أنقاض أوزاليس الرّومانيّة.

تصير الطّريق صفحة من صفحات التّاريخ يقرأها بدر الدّين بقلم الرّوائيّ المتمكّن من التّاريخ والواسع المعرفة. ويصير المكان متنوّع المعنى إذ يجمع بين الجمال والسّلام والصّعوبات الّتي تواجه العابرين كما واجهها الهاربون من "غرناطة" هناك، إلى "غرناطة" على الطّريق الرّابطة بين تونس والعالية، وساحل بنزرت. نقطة عبور بحجم تاريخ نراجعه مع الرّواية ونسير إلى "مدينة السّلام" آخر الطّريق.

غلاف ثلاثية الأندلسوتأخذنا الصّفحات في رحلة تتراوح بين التّاريخ والرّاهن، كما تترواح المشاهد الطّبيعيّة والمصاعب حتّى نصل العالية مع شخصيّات الرّواية. ويكون اللّقاء. وتصير العالية أكثر وضوحا في الرّواية، فهي مكان وفّر السّلام للأندلسيّين المؤسّسين، واللاّحقين، كما مدينة السّلام بالحمّامات والّتي سيستقرّ بها أحمد الحجري حين يجد عائلته، وكلا المكانين مكوّنين من صورة السّلام العامّ في تونس رغم الصّراع التّركي الإسباني. فتونس قدّمت للوافدين الأندلس مساعدات كثيرة، وتجلّت في الرّواية بالخصوص في شخص أبي الغيث القشّاش الّذي آوى اللاّجئين من الموريسكيّين وأطعمهم وساهم في استقرارهم في بعض مناطق تونس الّتي انسجموا مع أهلها أو أسّسوها على الأنقاض مثل العالية.

هي أرض لقاء: عليها التقى بدر الدّين بعائلته، والتأم شمل الأندلسيّين المهجّرين. وعلى أرضها كان لقاء قلبه بقلب مرجانة، وقد وصلا العالية وهما في غمرة من العشق ولقاء الرّوحين وانسجامهما. أليس اللّقاء أحد تجلّيات قيم الحبّ والتّسامح والسّلام والنّبل؟

هكذا بدأت تتشكّل العالية في الرّواية، إنّها أرض أخرى من تونس يستقرّ فيها السّلام في تونس. كما الحمّامات الّتي صيغت لأجلها الرّواية والّتي ذُكرت باعتبارها أرضا موعودة ستختم على أرضها الرّواية، والّتي يكاد القارئ ينساها في غمرة اهتمامه ببقيّة الأمكنة وخاصّة بالعالية.

هكذا تأخذنا الرّواية في رحلة تاريخيّة من مكان إلى مكان وتفتح صفحات من تاريخ تونس، رحلة لا تخلو من الفنّ الرّوائيّ المشبع بالخيال مع شخصيّاته الّتي تحملنا في روعة الحكاية وتحاورنا، لنفكّر ونتدبّر، فننسى التّاريخ ونعيش الرّاهن في هذا القرن الّذي احتدّت فيه النّزاعات وصار الإنسان بحّاثة عن أرض السّلام خارج أسوار الحضارة وصراعاتها الدّائرة. فأيّ تاريخ يرويه عبد الواحد براهم في روايته؟ أليس هو تاريخنا المعاصر يحاور تاريخنا الماضي؟ أَوَليست الرّواية قراءة في حاضرنا وتفاصيله الّتي غلّقت أبوابها على الإنسان فصار ينشد السّلام فيما يُشرق من ماضيه؟

القيمة التّاريخيّة

أمّا القيمة التّاريخيّة فهي جليّة للقارئ إذ يتابع دخول الأندلسيين إلى العالية في هذه المرحلة والتحاق عدد منهم في آخر هجراتهم عن طريق بعض الأقوال الواردة في الرّواية والّتي تستند إلى تاريخ معروف وإن حاد في بعض التّفاصيل إلى الجانب الرّوائيّ وصياغة الإبداع. فقد جاء في الرّواية على لسان أحد سكّان العالية ما يلي: "آخرُ من قدم إلى جهتنا من الأندلس جماعة لا يزيد عددهم عن الأربعمائة نفر. وقد وقعوا في صعوبات جمّة، ولكنّ الله أغاثهم وأعانهم" (ص 117).

كما يتّضح ذلك في تفسير وكيل الزّاوية (ص 118): "جاؤوا ومعهم مكتوب من السّلطان ليختاروا أرضا مناسبة في بنزرت أو ضواحيها، لكن أغلب الجماعة جباليّة، وليس فيهم إلاّ قليل من أهل المريّة اختاروا مواصلة الطّريق إلى بنزرت. لذا بقي أغلبهم في المنطقة، واختاروا السّكن قرب النّهر[12] المارّ في تلك السّهول السّفلى، من حيث مررتم عند قدومكم" (ص 117).

ويضيف: "عزموا على إنشاء مدينة جديدة فيه، حتّى أنّهم أطلقوا عليه اسم غرناطة. وما زال أهل المنطقة يعرفون المكان ذاته باسم ڤرناطة."[13] (ص 111). ثمّ أضاف أنّهم تركوا هذه السّهول بسبب هجمات الأعراب: "أخبروني بعد الخطرة الكبيرة أنّهم قرّروا الانتقال صعودا نحو الأعلى تاركين محاصيلهم جميعا، ومباني صغيرة آوتهم طيلة عام ونصف" (ص 118).

هذه الإشارات المكانيّة الواردة في الرّواية عن العالية تعطي لمحة عن تاريخها بإيجاز وعموميّات. وهو ما نجده أيضا في كتب التّاريخ الّتي تجعل العالية دائما مقترنة ببعض القرى الأندلسيّة الأخرى الّتي أسّسها الأندلسيّون وخاصّة قلعة الأندلس وراس الجبل وغار الملح وطبربة[14].

ولا نكاد نجد عن العالية أخبارا تفصّل تاريخها وتفسّره. وقد انتبه الكاتب إلى ذلك فكأنّه أرجع هذا الفراغ في الأخبار إلى انزواء أهلها وخوفهم خاصّة بعد ما لحقهم في وطنهم أو في طريقهم إلى العالية من هجمات الأعراب حين أسّسوا "غرناطة" على الطّريق الرّابطة بين تونس والعالية وبنزرت. إذ قال:

"فمن ذا يعرف مكانهم؟ وما حاجة النّاس بهم وهم المنقطعون عن وطنهم الأصليّ؟" (ص 123).

ويضيف: "إلى أن امتلأ صحن الجامع الصّغير وانسدّ بابه بالأطفال الصّغار يدفعهم الفضول لأنّهم لم يعرفوا في حياتهم بشرا غير أهل قريتهم" (ص 124).

وقد أتقن عبد الواحد براهم وصف خوف أهل العالية حين دخلت عليهم الجماعة إذ يقول: "نبحت الكلاب تستقبل الغرباء بشراسة تدرّبت عليها وحاولت مهاجمتهم فهشّها أحمد الجيّار بالعصا وأطلق الزّمزميّ النّار من بارودته فأفزعها وجعلها تتقهقر. وبفعل ما حصل من ضجيج أطلّت من السّطح أشباح ملتحفة بأردية صوف خشنة وشرعت تلقي الحجارة ناحية القادمين وتطلق صراخا غير مفهوم" (ص 121).

أمّا ذكر الجامع في الرّواية فلم يستند إلى مرجعيّة تاريخيّة واضحة، كما هو الحال في كتب التّاريخ الّتي التبس عليها ما ذكر على نقيشة الجامع أو في بعض الوثائق الّتي ذكرت تاريخين مختلفين لبنائه. غير أنّ عبد الواحد براهم دفع الأحداث انطلاقا من الجامع في صورة معروفة لوظيفته الّتي تناقلتها الأجيال باعتباره مركز لقاء ومكان يحتمي به الغرباء.

وليس من تاريخ واضح لكلّ العالية، فالمصادر شحيحة والمعلومات قليلة الوضوح بشأنها. وليس إلاّ ما توارثه أهلها من عادات تشي بنمط الحياة الّذي عاشوه، وهو نمط فلاحيّ اعتمدوا فيه على أنفسهم خاصّة أنّهم أصحاب حرف تتعلّق بالفلاحة وآلاتها. أو حديث عن أسماء العائلات الّتي تمّ إحصاؤها في فترات لاحقة وعُرف بها أصل أهل العالية.

كلّ ذلك استثمره الرّوائيّ في صياغة روائيّة متينة لا تحيد عن المعلومات المعروفة عن العالية إلى حين ظهور الرّواية[15] وإلى اليوم. وتبدو براعة الرّوائيّ الفنيّة جليّة إذْ صاغ تاريخ تأسيس العالية على لسان شيخ تسعينيّ تخونه الذّاكرة فيما يرويه لبدر الدّين الحجري وأحمد الجيّار. إذ ورد في صفحة 123: "حكّ المؤدّب المسنّ رأسه كأنّما لينشّط ذاكرته الّتي خانته عند روايته للأحداث"، فكان ذلك أقرب إلى تصديق ابتعاد العالية عن الطّرقات المؤدّية إليها. وهي حيلة فنيّة لتفادي نقائص الأخبار[16].

ومن خلال هذين البعدين الفنّي والتّاريخيّ، تتجلّى صورة العالية في الرّواية[17]:

صورة العالية في الرّواية: قرية أندلسيّة

العالية، حسب الرّواية، قرية أندلسيّة تأسّست قبل التّهجير الأخير من الأندلس، ودليل ذلك ما ورد في حديث وكيل زاوية سيدي عليّ الشّباب والمؤدّب في جامع العالية عن وصول جماعة من أربعمائة فرد إليها فرارا من هجمات الأعراب في السّهول بڤرناطة الّتي أسّسوها قبل عام ونصف من دخولهم العالية. ولكن لا نجد إشارة واضحة إلى سنة التّأسيس أو إذا كانت تلك العائلات لاحقة بجماعة أخرى أم هم أوّل الواصلين إليها. ويعني ذلك أنّ الرّواية لا تؤرّخ للمدينة ولكن تتنزّل في تاريخ محدّد للمكان وفي الفترة المناسبة للأحداث الّتي اختارها عبد الواحد براهم لتكون الفضاء المكانيّ والزّمانيّ لروايته. والمنطلق التّاريخيّ لم يمنعه من إضافة قيمة فنيّة لإعطائه البعد الإنسانيّ الّذي تصبو إليه الرّواية. فيلتقي بذلك الإبداعيّ بالتّاريخيّ في امتزاج لا يزعج التّاريخ ولا يثقل أساليب الكتابة الرّوائيّة.

موقعها

بدأت الرّواية بتحديد موقع العالية العامّ بالنّسبة إلى بنزرت: "فالأقرب أنّهم في بنزرت، لأنّ تاريخ قدومهم يصادف تاريخ توجّه جماعة إلى هناك وقد وجدت هذا مسجّلا في دفاتر الزّاوية" (ص 102) ولذلك أرسلهم أبو الغيث القشّاش إلى سيدي عليّ الشّباب: "نحن عائلة من فُقْرَّة سيدي القشّاش ذاهبون لزيارة سيدي عليّ الشباب في العالية".

وقد وُصفت الطّريق إليه في قوله (ص 112): "وجدت القافلة طريقها سهلا عبر الهضاب الفاصلة بين تونس وبنزرت ولم تعترضها عوائق تذكر". وحين تقترب القافلة من سيدي عليّ الشباب يصف الهضبة وارتفاع المكان: "تكاثر اهتزاز العربة وهي تصعد هضبة سيدي عليّ الشباب"، حتّى يصل إلى تحديد قرية العالية في الصّفحة 118:

"لا تصلح الأراضي الواطئة للسّكن، لا بدّ من الجبل إذا شاء المرء الدّفاع عن نفسه بصورة مجدية. أخبروني في الخطرة[18] الكبيرة أنّهم قرّروا الانتقال صعودا نحو الأعلى".

ويضيف (ص 120): "واصلت القافلة في الغد الصّعود نحو الرّوابي المواجهة للزّاوية ولكن على ظهر الدّوابّ لوعورة المسلك، واتّجهت إلى قرية العالية".

كلّ هذه الإشارات جاءت متفرّقة تصف أسباب اختيار الهضبة العالية لتأسيس العالية كما تشير إلى موقع يصعب الوصول إليه تحفّظا من الهجمات المحتملة وزيادة في الاحتياط لتوفير الأمن للأهالي.

الطّبيعة

لم يغفل الكاتب عن جمال الطّبيعة في الطّريق إلى العالية الّتي تميّزت بخصوبة أراضيها وجمال طبيعتها. يقول (ص 115): "دعيني أتملّى منظر الطّبيعة الجميل. ألا تعجبك تلك الحقول اليانعة بخضرة لا تنتهي كأنّها سجّاد مخمليّ مطرّز، والأزهار من كلّ شكل ولون".

وتنسجم مشاعر بدر الدّين ومرجانة مع جمال الطّبيعة وتترك لنفسها فرصة التّمتّع بالجمال والعشق معا. وكأنّ المكان ما وُصف إلاّ لأجل الحالة الوجدانيّة الرّومنسيّة الّتي بدأت تأخذ مكانها في قلبيْ الشابّين.

كما قابل الكاتب طبيعة العالية بطبيعة الحجر الأحمر فيقول: "وسرّح بصره في الملكوت المترامي سهولا ومزارع وخضرة لا تحدّ، ولا يكلّ منها البصر. ها هي يا بدرو مزارع الحجر الأحمر وخضرتها وشمسها الغاربة. أتتذكّرها؟ أليست هذه روعة الغروب؟"

كلّ هذا يضيف شحنة من العاطفة والحنين إلى الأهل والأوطان، لنشعر بحجم مأساة الأندلسيّين المهجّرين، ومأساة بدر ومن خلالها الأطفال الّذي تربّوا بعيدا عن أهلهم عند النّصارى. مثل هذه الصّورة تُبعد اليأس عن نفس بدر ليواصل البحث عن أهله. فما تشابُهُ المكانين إلاّ أمل يبشّر بقرب لقاء الأهل.

المعالم والمعمار

ماذا يمكن أن يكون شكل قرية في بداية تكوّنها غير نواة أولى حول جامع يحفظ للنّاجين بإسلامهم ممارسة دينهم باطمئنان؟ لهذا نجد الجامع وقد مثّل مكان لقاء الأهالي بالضّيوف مضطلعا بدوره الدّينيّ والاجتماعيّ معا. فبيت الله آمن مكان للغرباء. حتّى وإن بدا في الوصف "صغيرا"، سريعا ما امتلأ بالنّاس الوافدين على الضّيوف. وبدت البيوت: "قميئة متراصّة يتوسّطها جامع صغير تحاول مئذنته القصيرة مطاولة سماء زرقاء صافية" (ص 120).

هذه قرية العالية في الرّواية. وليس هذا تقصيرا من الرّوائيّ، ولكنّها ضرورة يفرضها سير الأحداث. فالشّخصيات ليست في نزهة ولا سياحة وإنّما في بحث عن عائلة طال الشّوق إليها ولا يُعلم عنها خبر يطمئن.

أهل العالية

يعود أصل أهل العالية[19] حسب الرّواية إلى مدن أندلسيّة مختلفة، ولكن لم يتسنّ ضبطها كلّها:

"سأل بدر الدّين، لمّا جمعكم الإسبان في دانية وقاموا بالفرز، لم يكن النّاس جميعا قادمين من جهة واحدة. أليس كذلك؟

= طبعا يا ابني طبعا.

= إذن من أيّ الجهات كانت الغالبيّة؟

= من جهات لا يعلمها إلاّ الله.

= أنت مثلا من أيّ منطقة قدمت؟

= أنا نشأت في مرج أخضر كبير يكثر فيه الرّعاة وتسمّن أبقارا من نوع ممتاز لا أتذكّر الآن ما يطلق عليه.

= وما اسم هذا المرج؟

= اسمه مرج بيّانه ويقع بين نهرين.

= هذا مرج واسع وفيه قرى ومدائن كثيرة. ما اسم قريتك أنت؟

= اسمها عند الإسبان أجيلار ونسمّيها نحن العرب بلّي" (ص 138).

تضاف أمكنة أخرى تحدّد أصل أهل العالية حسب ما جاء في كلام الرّجل الأشقر الّذي قال: "أغلبنا من لوشا وأنتقيرة واللّسّانة، وقد يكون جماعة الحجر الأحمر جاؤوا معنا لكن حطّوا في مكان ثان وإن شئت أخذناك ناحية الشّطوط للبحث هناك" (ص 149). هذا إضافة إلى منطقة الحجر الأحمر: "سمعت ما يشبه لهجة قريتنا" (ص 125).

وذكرت الرّواية أعمار أهل العالية لتحدّد الهرم الاجتماعيّ الّذي يكوّن أهلها:

"هناك أشياء كثيرة ضاعت من ذاكرتي ولكن أبناء القرية مازالوا يتذكّرون وفيهم بعض الشبّان".

"قريتكم لا تضمّ إلاّ كهولا على باب الشّيخوخة وأطفالا صغارا ولدوا بعد النّفي" (ص 139).

ملامح حياتهم اليوميّة: صنائعهم، حرفهم، لباسهم

أهل العالية فلاّحون، بسطاء ونكاد لا نعرف عنهم إلاّ هذا الملمح العامّ لحياتهم. نضيف إليه عمل النّساء في الغزل. كما نتبيّن مشاركة المرأة في حماية البيوت والقرية. فما إن نبحت الكلاب وأطلق الزمزميّ[20] النّار حتّى: "أطلّت من السّطوح أشباح ملتحفة بأردية صوفيّة خشنة وشرعت تلقي الحجارة ناحية القادمين وتطلق صراخا غير مفهوم." فـ: " ليس غير النّساء في القرية" (ص 121). ونفهم إضافة إلى ذلك مدى الخوف المسيطر على النّفوس فقد قاسوا ما قاسوه في الأندلس إضافة إلى تجربتهم في السّكن في السّهول قبل مجيئهم إلى العالية.

ويظهر أهل العالية فضوليّين، فقد ازدحم الجامع بالأهالي وغصّ، وهم يستقبلون الضّيوف في الجامع باعتباره مكانا محايدا وأبدوا استعدادهم للمساعدة وبذل الجهد في ذلك. فكلّهم أصحاب محنة واحدة وإن فرّقتهم الهجرة. كما بدوا متعاطفين مع بعضهم يرفضون إقصاء الفقراء خاصّة حين ذكرت النّساء في بيت الغزل وقد غاب عنهنّ معيلهنّ: "وإذا وجد بيت لا رجل فيه هل ننساه؟ هل هذه هي المروء وهذا هو التّعاون والتّضامن الّذي أقسمنا عليه اليمين من يوم وصولنا إلى هنا؟"

قيمة هذه الصورة وأبعادها

بجمع أشتات صورة العالية نتحصّل على صورة نعرفها عنها ولكن تعود إلى نواة أولى أو صورة مصغّرة عمّا هي عليه اليوم أو حتّى في ما عرفه أجدادنا ووصلنا منهم عن طريق الرّواية الشّفويّة وكما وردت في وصف القسّ فرنسيسكو خيمينيث الّذي زار العالية في 1725. وتظلّ صورة تتأرجح بين الواقع والمتخيّل الرّوائيّ في كثير من عناصرها أخرجها الأديب عبد الواحد براهم في صورة نحبّ تفاصيل السّلام والتّسامح فيها.

لفّ النّسيان وعدم الوضوح ما تعلّق بالعالية في الرّواية، فبدت صفحات تاريخها قليلة الوضوح رغم أنّنا بتركيب أجواء الصّورة نحصل على العالية كما تناقلتها أحاديث الذّاكرة الّتي تناقلها أجدادنا. وفي رأيي تلائم اختيارات الكتابة في الرّواية ويضفي عليها بعدا إنسانيّا ينسجم مع فكرة مدينة السّلام الّتي انبنت عليها الرّواية. ويفتح مجالات أوسع لتحيين الرّواية وطرح أسئلة الرّاهن.

وقد جاء في الرّواية ما يثبت ذلك في الحديث عن تونس حالما دخلها بدر قادما من الأندلس:

"تُرى من هو حاكمك الحقيقيّ يا تونس؟ أيّتها المدينة البيضاء الصّغيرة ذات الشّوارع الملتوية والأزقّة الضّيّقة... بوحي بما تحمّلت من تهشيم وتخريب، واذكري أيّ قوّة تجعلك تنتفضين متمرّدة على الموت رافضة للهزيمة فتلعقين جراحك بعد كلّ معركة وتجمعين صغارك من جديد كالقطّة الخائفة لتستمرّ وكأنّ شيئا لم يحدث. فمن أين تستمدّين الشّجاعة ومن أين تأتين بهذا الصّبر؟" (ص 56-57).

أيّ تونس يخاطبها الرّوائيّ في نصّه؟ هل هي تونس القرن السّادس عشر زمن حرب الإسبان والأتراك على أرضها أم هي تونس قبل الثّورة أم بعدها؟ أيّ تاريخ يمكن أن نؤرّخ به هذا المقطع والرّواية تاريخيّة تعود إلى تاريخ بعينه وكتبت في 2002؟ هكذا الإبداع، لا تاريخ له.

آفاق

ماذا لو لم تكن مدينة الحمّامات هي مدينة السّلام الّتي سيستقرّ فيها بدر الدّين وأهله، هل كان ليترك العالية؟

= = =

الهوامش

[1] بدأ القتال بين العثمانيّين والإسبان في 1573-1574 واستعاد العثمانيّون تونس إلى حكمهم بعد أن افتكّها الإسبان في غزوتهم سنة 1535.

[2] ولد في 1569 وهو أصيل جهة الحجر الأحمر. وهي القرية الّتي لم يتمكّن المؤّرّخون من تحديدها على وجه الدقّة. فيقول البعض إنّه أصيل قرية لاشار الّتي تقع بالقرب من غرناطة. ويقول إسماعيل العثماني إنّ الحجر الأحمر هي ترجمة لكلمة تييرا دي باروس. وقد عُرفت هذه القرية الصّغيرة بتربتها الحمراء الّتي كان يستعملها السكّان في الحرف الخزفيّة. وتوجّه أحمد الحجريّ إلى غرناطة تقريبا منذ سنة 1588 وعمره 19 سنة (ص 16-17 من كتاب ناصر الدّين على القوم الكافرين. تحقيق حسام الدّين شاشية: ارتياد الآفاق 2015، ط1).

[3] أعاد الأديب عبد الواحد براهم صياغة أطوار رحلة أحمد الحجري في روايته "تغريبة أحمد الحجري" والّتي اعتمد فيها على نصّ قديم بعنوان: "ناصر الدّين على القوم الكافرين" كتبه المترجم الرّحّالة الأندلسيّ أحمد بن قاسم الحجري الأندلسيّ وروى فيه رحلاته عبر أوروبا ومصر وبلاد المغرب بعد أن خرج من الأندلس إثر سقوط غرناطة وصدور قرار نفيه.

[4] وهو موضوع مسابقة المدينة الّتي فازت فيها الرّواية بالجائزة الأولى في 2002.

[5] شخصيّة مبتكرة لخدمة أهداف "المدينة" كما في نصّ المسابقة. والأحداث تدلّ على أنّه مخلوق روائيّ لا واقعي وإن أحاطت به شخصيات من الواقع وأمكنة واقعيّة تاريخيّة.

[6] "وأمّا البستيون [الحصن] فكان خارج باب البحر قرب كنيسة النّصارى، وكان أشدّ ضررا على أهل تونس من غيره لأنّهم أرادوا أن يبنوا فيه حصارا ومدينة وقد ابتدؤوها، وفصّلوا شوارعها وأسواقها، وكادت أن تسكن لولا لطف الله ومعالجة العساكر العثمانيّة، والّذي تمّ لهم منه قلعة واحدة، فكانت الحرب عليها لما دخلت العساكر العثمانيّة." عن كتاب نزهة الأنظار في عجائب التّواريخ والأخبار ومناقب السّادة الأطهار، الجزء الثّاني، المقالة العاشرة، في ذكر بني حفص، تأليف محمود بن سعيد مقديش، أبي الثّناء الصّفاقسي، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان 1971 تحقيق محمّد عثمان. (نسخة إلكترونيّة).

[7] القشّاش: أبو غيث (1551/1621) كانت زاويته ملجأ المهاجرين قبل توزيعهم على الجهات بإشرافه بعهد وعلم أخضر مع نقيب. (أحمد الحمروني، المدوّنة الموريسكيّة التونسيّة، عن دار سحر ضمن سلسلة كتاب الشّهر، عدد 21، ص 75).

[8] من الأولياء الصّالحين بالعالية، على مسافة كيلومترين من مركز المدينة العتيقة، وهو في قرية سيدي عليّ الشّباب، يقال إنّ أصوله من قصور السّاف من ولاية المهديّة، جاء إلى شمال البلاد باحثا عن العزلة قصد التعبّد. ولم يرد غير هذا من الأخبار. وإلى اليوم تزور عائلات كثيرة من العالية مقامه تبرّكا بكراماته كما اشتهر بينهم منذ أجيال.

[9] عربة تجرّها الدّواب، استعمل اللّفظ كما ينطقه التّونسيّون إلى اليوم.

[10] والعالية واحدة من مجموع 22 مدينة أندلسيّة أسّسها الموريسكيّون في تونس. وبنيت العالية على أنقاض أوزاليس الرّومانيّة الخربة حين وصلوها لاجئين. وصارت العالية مع الأندلسيين عاصمة إقليم ساحل بنزرت وهو واحد من الأقاليم الأربعة الّتي توزّع عليها الموريسكيّون في تونس

[11] أسّس الأندلسيّون الّذين وصلوا إلى تونس في 1609 وقبيلها 22 مدينة وقرية أندلسيّة تقسّم إلى أربعة أقاليم منها إقليم ساحل بنزرت وعاصمته آنذاك العالية.

[12] قُصد به وادي مجردة

[13] ڤرناطة: تنطق غرناطة باللّهجة المحلّية بقاف مجهورة نرسمها قافا بثلاث نقاط.

[14] الأمثلة كثيرة وأورد مثلا ما جاء في الإتحاف، ج2، ص 30/31: وبنوا بلدانهم المعروفة بهم مثل سليمان وبلّي ونيانو وقرنبالية وتركي والجديّدة وزغوان وطبرية وقريش الواد ومجاز الباب وتستور والسلوقيّة والعالية والقليعة.

[15] ظهرت بعض الدّراسات المتعلّقة بالعالية وبالأندلس عامّة منها دراسة أحمد السعداوي بكليّة منّوبة.

[16] يقول الأستاذ أحمد الحمروني في كتابه: 100 مدينة تونسيّةـ في الصّفحتين المخصّصتين لمدينة العالية (ص 158-159): "كما لم نتمكّن من معرفة تاريخها في العهد الوسيط، وبالتالي فتاريخها الفعليّ والموثوق به يبدأ بحلول المهاجرين الأندلسيّين مع اختلاف في تاريخ وصولهم. وبناء على الوثيقة المعماريّة الوحيدة المثبتة بأعلى محراب الصّحن بجامعها يفترض دارسها عبد العزيز الدولاتي إمكانيّة قدوم أندلسيّي إلى العالية قبيل الطّرد النّهائيّ، أي قبل سنة 1609 وربّما سنة 1607." ويضيف ما ورد في الوثيقة الثانية الّتي كتبها القسّ فرنسيسكو خيميناث الّذي زار العالية في 25 مارس 1725: "هي مكان يسكنه الأندلسيّون وبعض العرب. أسّسها العرب الأندلسيّون الّذين طردوا من إسبانيا سنة 1513 على أطلال كوتوزا القديمة حسب ما تشير إليه نقيشة أثريّة تُرى على طاحونة. تتكوّن القرية من 250 منزلا لفلاّحين، مبنيّ على الطّريقة الموريسكيّة ولا يسمح الأندلسيّون للأتراك والمرتدّين والسّودان بالسّكنى فيها".

[17] بعض المواضيع مذكورة سابقا احتجت إلى تكرارها في صورة العالية لأنّني اكتفيت بتقديم الجزء الثّاني فقط في مداخلتي بمناسبة شهر التّراث بالعالية في أفريل 2017 بالمكتبة العموميّة في أمسية بعنوان: العالية الأندلسيّة.

[18] الحادثة وقد ورد في الرّواية "خطرة "الشكارة" في الصّفحة 95 ووصفها بالمعركة الكبرى، وقد انطلقت من خلاف بسيط. وكانت هذه الحادثة فرصة تمكّن بها بدر الدّين الحجري من التخلّص من العمل في بناء البستيون والذّهاب للبحث عن عائلته.

[19] ذكر خيمينث أنّ أهل العالية أندلسيون هاجروا من كاتالونيا، كما ذكر أنّهم ينسبون أنفسهم إلى غرناطة.

[20] الحارس التّابع لزاوية سيدي القشّاش ورافق بدر الدّين مع عائلة أحمد الجيّار إلى العالية.


JPEG - 32.1 كيليبايت
غلاف رواية قبة آخر الزمان
JPEG - 33.7 كيليبايت
غلاف ثلاثية الأندلس
D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2019     A وهيبة قويّة     C 0 تعليقات