فراس حج محمد فلسطين
الصورة في الحقل التعليمي
للصورة حضور مهمّ في المقررات الدراسية، وفي المواد التدريبية، وكلما كانت المرحلة التعليمية صغيرة كان للصورة حضورها الأبرز، لأنه لا بد من الانتقال في الطالب من المحسوس إلى المجرد، فالصورة التعليمية ذات أثر فعال لأنها تستنطق حواس الطلاب وأفكارهم على نحو منهجي إذا ما أحسن استخدامها بشكل فعّال.
لا بد من أن يسبق مرحلة الصورة المرسومة في الكتاب اعتماد التعليم على المثال الحقيقي الواقعي، ثم المجسّم الذي يصور ذلك الشيء المراد تعليمة، ثم الصورة، ثم الكلمة المكتوبة، ليتم الاستغناء عن الصور مثلا في مرحلة تعلم اللغة الأولى في سن متقدمة من عمر الطالب. هذا الانتقال من المادي الملموس إلى المجرّد ضروري لبناء ذاكرة الطفل الحية، لتربط بين الشيء وصورته ثم بين الشيء وكلمته اللغوية المعبرة عنه التي هي بمعنى من المعاني صورته الفكرية اللغوية التي تعتمد على التجريد.
في مقررات التعليم الفلسطينية على سبيل المثال، تبرز الصورة جزءا من المقرر التعليمي، وتتخذ شكلين فيه؛ إما أن تكون مدخلا تمهيديا في بداية الدرس أو الوحدة، وإما أن تكون عاملا تعليميا مساعدا داخل الكتاب نفسه، في المحتوى التعليمي التفصيلي في مباحث العلوم والرياضيات والتكنولوجيا وكتب اللغة الإنجليزية بوصفها لغة ثانية، تعلّم لغير الناطقين بها على سبيل المثال.
هذه الصور التمهيدية المصاحبة للمحتوى التعليمي يجب أن تكون واضحة، وتدفع الطالب لأن يتحدث عن الموضوع، وتثير فيه نزعة الفضول العلمي، ولذلك لا بد من مراعاة أن تكون مثيرة غنية في بعض التفاصيل، ملونة، مرتبطة بالدرس؛ موضوع الوحدة الدراسية، وتنطلق من ثقافة المجتمع ومن خبراته ومهاراته المستقاة من بيئته؛ لتكون تمهيدا رابطا بين الخبرات السابقة والخبرات الجديدة المستهدفة في التعليم، وأن يعطى الطلاب فرصة ليعبروا عن هذه الصور بأريحية كاملة، لأنها طريقة طبيعية للكشف عن أفكارهم ومستواها بالنسبة للدرس المتعلق بالصورة، وإن وجد المعلم صعوبة في حديث الطلاب يساعدهم بطرح أسئلة متنوعة حول تلك الصور وعناصرها.
إن منح الطلاب فرصة للتفرس في اللوحة أكثر، وإرشادهم إلى كتابة انطباعاتهم عنها، وإجراء حوارات بينية في المجموعات لهي أساليب نافعة في تعزيز قدرة الطلاب على قراءة الصورة قراءات متعددة، وأن يستقوا منها أفكارا تمهيدية حول الدرس، عدا ما في ذلك من تدريب عملي للطلاب للربط بين النص والصور، تمهيدا لتعلم المناهج العلاماتية في المستقبل.
أما الصور المرتبطة بأجزاء المحتوى التعليمي في مباحث كالعلوم والرياضيات والتكنولوجيا واللغة الإنجليزية فأمرها مختلف إذ ترتبط تلك الصور بأفكار المحتوى التعليمي الذي يشكل إضافات جديدة للطالب وخبرات يراد له أن يتعلمها، من مثل أجزاء جسم الإنسان والأشكال الهندسية، ولوحة المفاتيح أو أجزاء جهاز الحاسوب، والمفردات اللغوية وغيرها.
وتعدّ الخرائط الجغرافية من الصور المساعدة في عملية التعليم، ويستفاد منها في مباحث متعددة، لأنها تتعلق بالرسم التجريدي لسطح الأرض، كخريطة فلسطين التي تجسد السهول والجبال والوديان والصحراء، وارتباط كل نوع من التضاريس بلون معين، يعد مفتاحا رئيسيا لاستخدام الخريطة بالإضافة إلى الاتجاهات الأربعة.
إن الصور تعد أمرا نافعا تعليميا عند استخدامها كوسائل تعليمية مساعدة، يذكرها النص، فيحرص المعلم والطلاب على إحضار ما يمثلها، وهذا يغذي في الطلبة نزعة التعبير عن المجرد بالصور، لاختيار الصور الأكثر ملاءمة وانطباقاً.
وعدا هذا وذاك فإن المعلم الذي يقود التعليم وييسره لا بد من أن يقود الطلاب أحيانا إلى مسرب جديد في التعامل مع المحتوى التعليمي، فيحثهم على تصوّره ذهنيا وتجسيده في مجموعة من الصور، كتكليف الطلاب برسم أحداث قصة ما، في مشاهد متعددة، وتأليف فيلم متحرك منها، ما ينقل المحتوى التعليمي إلى مراحله العليا من الاستفادة من المحتوى التعليمي، ويغذي فيهم مهارات تتعلق بالقدرة على تجسيد التصور الذهني والخيال، ومهارات تتصل بأنواع مختلفة من الذكاء، كالذكاء المكاني أو البصري.
تتصل العملية التعليمية بالصور اتصالا مباشرا يمرّ في اتجاهين متصلين لا مفترقين، ففي الوقت الذي يمكن أن تكون الصورة منطلقا للتعليم يمكن أن تكون مختتما لها، لتكون مخرجات تعليمية مهمة، كما هو موضح في الفقرة أعلاه، ومن أبرع ما مرّ بي خلال عملي مشرفا تربويا شرح المعلم للتشبيه التمثيلي في الصف الحادي عشر (المرحلة الثانوية) بتجسيد المشبه والمشبه به، وبيّن بالرسم المعنى الحقيقي للتعريف بأن المشبه والمشبه به صورة مقابل صورة، وكيف يمكن أن نستلّ وجه الشبه الذي هو "صورة منتزعة من متعدد". كان هذا المعلم يعد لكل مثال ثلاث صور في مرحلة الشرح، وفي التطبيق قد يكلف من يستطيع من الطلاب رسم تلك الصور لأبيات جديدة بعد شرحها وفهمها وبيان عناصرها التي تشكل من المشبه والمشبه به.
هذا الأسلوب التعليمي أو التقنية التعليمية على وجه أدق، تقنية داعمة لتفكير الطلاب وحواسهم وتغذي فيهم ملكة التخيل وتدفعهم للتعبير عن مواهبهم في الرسم ممن يمتلك هذه الموهبة، ليصبح التعليم أمتع وأسلس، ويخرج من أطره التقليدية، ويمكّن الطلاب من الاستفادة من كل قدراتهم العقلية، تلك التي يعبّر عنها الفكر التربوي بـ "الذكاءات المتعددة".
وأما بالنسبة لتعلم للغة الإنجليزية بوصفها لغة ثانية؛ ليست اللغة الأمّ، فإن للصورة دورها المهمّ في أية مرحلة عمرية، وليس فقط في مرحلة التعليم الأساسي، وهذا ما جاء عليه كتاب " Word by word picture dictionary". إذ اشتمل الكتاب على أكثر من (4000) مفردة إنجليزية مشفوعة بالصور في أكثر من (17) موضوعا يحتاج إليها الشخص من أجل أن يتواصل مع غيره[1].
الآن، تخيلوا المهندسين ومصممي الجرافيك المكلفين بإعداد مشاريع التخرج، كيف تكون مشاريعهم إبداعية، عدا أنها مستندة إلى قوانين علمية فإنها أيضا لا بد من أن تراعي النواحي الجمالية في التصميم، فمقدرة التخيل الجمالي حاضرة في هذه الأبحاث كما هي حاضرة مثلا في التصاميم الهندسية لسيارات جديدة أو طائرات جديدة أو ألعاب مبتكرة أو اللوغوهات والعلامات التجارية، كل ذلك له أهميته في الكشف عن عبقرية المتعلم وقدراته التخيلية والتعليمية، فالتعليم كالفن لا بد من أنه يحتاج إلى الخيال، ويحتاج إلى مقدرة عليا لتحقيق هذا المتخيل العلمي مجسدا في اختراعات وصناعات تخدم البشرية وتفيدها في حياتها. فلولا الصورة وتخيلها والعمل على تحقيقها في الواقع لما وجدنا أغلب المخترعات الحديثة التي ننعم بها، وتعد علامة على تطور أدواتنا في التعامل مع الحياة والبيئة، فكثير من هذه المخترعات بدأت تصوّرا ذهنيا، وخيالا علمياً قبل أن تصبح واقعاً يحسّ ويُلمس وذا أثر في حياة البشرية.
= = =
[1] Word by word picture dictionary; Steven J. Molinsky & Bill Bliss; PEARSON Longman; second edition.
◄ فراس حج محمد
▼ موضوعاتي