عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: وهدان عويس - الأردن

أزمة الفكر العربي


أدناه مقتطف من كتاب للمهندس وهدان عويس، أحد أبرز الشخصيات القومية العربية في الأردن، الذي انتقل إلى رحمته تعالى يوم الأحد 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018. عنوان الكتاب "نهضة الفكر في الغرب وأزمة الفكر عند العرب". الناشر: دار أزمنة، عمّان، 2006. يلخص المؤلف في المقتطف تصوره للخروج من هذه الأزمة.

وهدان عويسإن الأعمال والممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض الجماعات وينسبونها إلى الدين هي التي شجعت الطامعين بالهيمنة على المنطقة من دول الغرب على الهجوم على المسلمين والعرب، وإلصاق تهم التخلف والإرهاب بهم.

ولا ننسى أيضا أن هذه الدول غالبا ما تشجع هذه الجماعات سرا وتدفعها للتغول في تصرفاتها، والهدف هو زيادة تخلف المنطقة ومنع تقدمها حتى تبقى معتمدة على الغرب فيما تستهلكه من صناعاته وتكنولوجيته.

آن الأوان لأن يصحو العرب والمسلمون لهذا المأزق. والمسؤولية الرئيسية تقع على عاتق المرجعيات الدينية والسلطات السياسية المتحالفة معها.

وهنا يأتي دور المثقفين في معركة ومسيرة التغيير، فهم طليعة الأمة وهم قادة الفكر فيها. وما من ثورة أو تحول اجتماعي أو سياسي عبر التاريخ إلا والمثقفون كانوا المنادين به والمحفزين له، فالتحولات السياسية والاجتماعية التي حدثت في أوروبا في عصر التنوير على سبيل المثال، ومنها الثورة الفرنسية التي أطاحت بالحكم الملكي الفردي، حمل لواءها مثقفو أوروبا والثورة البلشفية في روسيا التي قادها لينين غرس بذورها المفكر والفيلسوف كارل ماركس ورفاقه المثقفون.

كما أن حركات الاستقلال والتحرر من الحكم التركي والاستعمار الغربي حمل لواءها مثقفون ومفكرون عرب، فعلى المثقفين العرب مسؤولية تاريخية عظمى في إحداث التحولات والإصلاحات السياسية والاجتماعية في بلادهم، إن اعتمدوا أخلصوا وكانت لديهم الشجاعة وحب التضحية في حمل المسؤولية. وإن أخطر دور يقومون به هو التفافهم حول الحاكم وتبريرهم لتصرفاته وسياساته وقيامهم بدور محامي الشيطان، وكذلك تبريرهم وتبنيهم للأفكار والسياسات التي تطرحها الدول الاستعمارية والتي غايتها الحقيقية الهيمنة على المنطقة واستلاب ثرواتها.

والذي يتابع وسائل الإعلام العربي هذه الأيام يرى بوضوح كيف أن بعض هؤلاء وقعوا بيد الحكام والدول الاستعمارية.

إن حالة العقم الفكري والعلمي لا تقتصر على عالمنا العربي والإسلامي، بل إن هناك شعوبا أخرى تعاني من هذه الحال، ومثال ذلك شعوب أمريكا الجنوبية التي ما زالت تحت سيطرة الكنيسة. فهذه الشعوب، منذ استعمرت من قبل الإسبان والبرتغال، أخضعتها الكنيسة لقيود وحدود دينية صارمة وأثقلت كاهلها بفرائض وطقوس وعبادات شكلية، وحللت وجود حكام دكتاتوريين يسومون شعوبهم العبودية، فحدّت بذلك من تقدم هذه الشعوب وأوصلتها إلى حالة من التخلف والجهل والفقر. بعكس ما آلت إليه الأمور في أمريكا الشمالية حيث كانت غالبية المستعمرين من الأنجلوسكسون ذوي التوجه الديني الحر المنفتح، فورثت أمريكا الشمالية ما كانت قد وصلت إليه أوروبا من علوم ومعارف بفضل هذا الانفتاح، واستثمرت هذه العلوم في نهضتها الصناعية والاقتصادية التي تشهدها اليوم.

لنأخذ مثالا آخر: شعوب الشرق الأقصى. فهذه الشعوب تدين بالبوذية أو الكونفوشية أو مشتقاتها، ولكنها وبالرغم من تدينها إلا أنها اتخذت الدين كموضوع شخصي لا يحكم الشؤون العامة، بل أخذت من الدين القيم المفيدة للمجتمع فقط كالنظام والانضباط والصدق في التعامل والتواضع واحترام العائلة وكبار السن، وتركت الفرائض والطقوس لاختيار الأفراد أنفسهم. ورأينا كيف استطاعت هذه الشعوب التقدم في مجال العلم والمعرفة وكيف أخذت تنافس الشعوب الغربية صناعيا واقتصاديا.

هنا تكمن أهمية الدعوة للثورة الفكرية الدينية التي أشرنا إليها سابقا، والتي نأمل بظهور رجال دين متنورين لحمل لوائها. قد ترى المؤسسات الدينية التقليدية في هذه الدعوة تحريضا عليها وتهديدا لمصالحها، وقد تتهم المنادين بها بالكفر والإلحاد، والحقيقة أننا نرى في هذه الدعوة خدمة للدين والأمة، بمعنى أنها تعيد للدين نقاءه بعد أن ألصقت به المؤسسات التقليدية تأويلات مذهبية وممارسات وطقوس حرفته عن أهدافه.

كما أن دعوة الإصلاح هذه هي لصالح الإنسان العربي الذي عانى لقرون عديدة من التهميش والتجهيل، فقد آن الأوان لهذا الإنسان أن يصحو ويتلمس طريقه في مسيرة التمدن والتقدم العلمي.

= = = = =

عويس، وهدان. 2006. عمّان: دار أزمنة. ص ص 118-121.

JPEG - 41.7 كيليبايت
كتاب وهدان عويس الغلاف الخلفي
D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2018     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات