عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 3: 25-36 » العدد 36: 2009/05 » الحب والموت في قصائد حسين مردان

أثير الهاشمي - العراق

الحب والموت في قصائد حسين مردان


حسين مردان: شاعر عراقي. قدم عام 1950 للمحاكمة بعد صدور ديوان له بعنوان قصائد عارية. ولكن المحكمة برأته من ارتكاب جرم بعد تلقي تقرير عن الديوان من لجنة أدبية. من مؤلفاته الأخرى اللحن الأسود وصور مرعبة.

.

أثير الهاشميالحب والموت هما عنصران متناقضان لدى أكثر الشعراء، وقد لا تجد هذا المزج ما بين المصطلحين إلا في حالات نادرة، وهذا ما وجدناه في قصائد حسين مردان، الشاعر مزج ما بين الحب والموت في تركيب دلالي لحداثة صـُنعت قبل سنوات عديدة وظلت إلى يومنا هذا تعيش ضمن منطلق رومانسي ببعد روحي وشكل إيحائي لولادة مضمون حكائي جريء.

الشاعر حاول أن يقدم للمتلقي حياكة صورية شعرية جريئة في ظروف كانت فيها أغراض الشعر تنطوي تحت مزاج المتلقي الذي كان يعيش مأساة حقيقية نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي كان يعيشها البلد آنذاك.

خطوات الشاعر كانت باتجاه شعري تكاد تكون ذات أشكال ومضامين متشابهة بعض الشيء، إلا أن التسلسل الإيقاعي والصوري يجعلك لا تكف عن القراءة والبحث في كينونة ألفاظه الأنيقة الخالية من التعقيد.

حسين مردان كان شاعرا جريئا، فالشعر عنده هي جرأة لغوية يمزجها ما بين أشياء وجودية محسوسة، وأخرى وجودية غير محسوسة، فالحب والموت عنده يمثلان الحياة وما بعدها.

قصائد الشاعر حسين مردان ذات صياغة تأملية فالموت عنده يمثل الكينونة التي تستولي على الجمال الدنيوي لذا ارتبط الحب عنده بالموت:

الصيف فات

وقد يفوت

ليل الشتاء ولن تجود

بخيالها الحلو الودود

وغدا نموت

وكما تموت الذكريات

غدا يموت

حبي وأحلامي الحزينة والعهود (1)

الشعر عند حسين مردان ولوج لا بد منه إلى عالم محسوس، فالحب هو واقع جزئي مؤقت لأن التسلسل الزمني سيصل به إلى الموت، وهذا ما كان يتأمله الشاعر عبر واقعه الشعري، فالحب عنده هو مزاج ذو شهوة زائلة، حتى أن الجرأة اللغوية هي جرأة زائلة في يوم ما لأن الموت آت لا محالة.

الحب عنده كان ممزوجا بالموت على الرغم من أن الحب كان يمثل الشهوة واللذة المؤقتة، والجمال هو جمال مؤقت، فيكشف عن هوس مخيف لجسد المرأة ومكنوناتها الحسية، فالمرأة لم تكن في شعره ذكرى أو فكرة أو مثالا ولم تكن معنى يرقى إلى مستوى الرمز المشحون بالدلالات والرؤى العميقة، بل كانت تتشظى عبر قصائده هوسا حارا ورغبة هائجة تتصل حد القسوة اللذيذة (2):

قمر

أحلى من السهر

أحلى من الغناء في مضارب الغجر

أحلى من القمر

قمر

حاجبها وتر

وعنقها ثمر

وثغرها مدفأة تقذف بالشرر

وكفها لو مر بالحجر

لأينع الزهر (3)

الشاعر كان يستعمل لغة جريئة تجعله يأسر المتلقي بما يكتبه، فالكتابة عنده هي وحي روحي مرتبط بالوجود الروحي ذات الدلالات الإيحائية التي تستوحي النفس للتأمل فيما يدور بكينونة الإنسان، فالمرأة تمثل مستويين الأول الجمال الذي يمثل الكينونة الدائمة، والثاني الجمال الذي لا بد أن تكون نهايته الموت. ولا تكمن غرابة الشاعر في جرأة اللغة التي يستعملها بل فيما يتململ تحت هذه اللغة من جوع ظالم (4):

إبليس والكأس والماخور أصحابي = = نذرت للشبق المحموم أعصابي

من كل ريانة الثديين خامرة = = تجيد فهم الهوى بالظفر والناب (5)

الشاعر يتخذ من الغزل عنصرا ظاهرا بقوة عبر صفات إخبارية يتخذها للبوح بالجمال الأنثوي:

والتحم الثغران في قبلة = = وحشية عنيفة قاتلة

وانفجر البركان في لحظة = = فغيبتنا نشوة حافلة (6)

فالرغبة للذة تكمن في شكل الجسد وأنثويته ليكون جسد المرأة هو رمز للهوى:

وقع السياط على أردافها نغم = = يفجر الهول في أعراقها السود

تكاد تلتفت الجدران صارخة = = إذا تعرت: أهذا الجسم للدود (7)

الشاعر هنا يتخذ من الجمال الأنثوي جمالا مؤقتا لا بد أن يزال، فقد جعل الشاعر من الجمال والموت عنصرين مترابطين الأول يذوب في الآخر، هذا الامتزاج والترابط ما بين الأشياء المتناقضة يعطي إشارات واضحة لتأثر الشاعر بالموت أكثر من الجمال، وتأملاته ما هي إلا تأملات واقعية في البقاء والفناء، وهو بهذا يتخذ من الواقع الأنثوي مصدرا للزوال، وبالتالي سيكون الغزل عنده هو تأملات ارتباطيه لواقع زائل، يقول في قصيدة الحب والموت:

الصيف فات

وقد يفوت

ليل الشتاء ولن تجود

بخيالها الحلو الودود

وغدا نموت

حبي وأحلامي الحزينة والعهود

وكغيمة بيضاء فارغة الوعود (8)

هذه الصفات الإخبارية التأملية تجعلنا ندرك أن الشاعر يستدرج عناصر الهوى وارتباطها بالزمن. وهذه العناصر تكاد تتسلسل وتزول تدريجيا: الحب. الخيال الحلو. الأحلام. العهود. الشباب. تقابلها العناصر الزمنية التي تغيب تدريجيا أيضا: الصيف. ليل الشتاء. الذكريات. غدا نموت. لن يعود.

هذه العناصر وغيرها تنطوي تحت تضاد واقعي يتأمله الشاعر بعمق دلالة الحياة التي عاشها، فهو يستعمل المفهوم الحيايت على أنه لا حياتي، وهذا ما يربط علاقة الموت والحب معا:

لو تعلمين

أطفالنا لو تعلمين سيضحكون

إذ يبصرون الحب في صمت القبور (9)

الشاعر هنا يربط ما بين علاقتين متناقضتين أيضا، غير أنه يعطي نتيجة متفائلة (الحب. القبور). هذه الصفات الممزوجة قد تعطي دلالات رمزية، فالقبور قد يكون رمزا لشيء آخر، لكن صفة الصمت هي تكمن في مصطلح القبور أكثر من غيره، وهذا ما أعطى الشاعر قابلية المزج ما بين التضاد:

وبعينيك الزرقاء دود

والأرض، ويحك نفس هذي الأرض

حبلى بالهناء

فلم يعد فيها عبيد (10)

يبدو أن الأمل عند حسين مردان كان بمثابة تسلسل زمني كما قلنا، فهو يجعل من الحياة مرحلة زمنية تتدرج لتصل الموت.

= = =

المراجع

1) منذر الجبوري، شعراء عراقيون، ص 277

2) علي جعفر العلاق، الشعر والتلقي، ص 13

3) منذر الجبوري، شعراء عراقيون، ص 276

4) علي جعفر العلاق، الشعر والتلقي، ص 13

5) حسين مردان، قصائد عارية، ص 5

6) حسين مردان، المصدر نفسه، ص 5

7) عباس توفيق، نقد الشعر العربي الحديث في العراق، ص 205

8) منذر الجبوري، شعراء عراقيون، ص 277

9) منذر الجبوري، المصدر نفسه، ص 278

10) منذر الجبوري، المصدر نفسه، ص 279

D 1 أيار (مايو) 2009     A أثير الهاشمي     C 0 تعليقات