عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

ظلال عدنان - الأردن

بسمة


"أشفق عليكِ. لعل الله يريحكِ منه قبل أن تلديه".

أذهلني يا أمي ما همستْ لكِ بهِ ممرضةٌ تظنُّ نفسها تخففُّ عنكِ همّ المصيبة وثقل الفاجعة. كلماتها جعلتني أنقلب بألم - رغم أنها لعبتي المفضلة أن أتقلّب في رحمك. أمدد جسدي الصغير رغم ضيق المكان، وأستمتع بتلمس أناملك لموضع حركتي، فأتفلّتُ منك يا أمي.

أحقاً هو الخير لكِ أن أموت قبل أن أولد؟ لم تتعجلون لي الظلمة وبرودة القبر قبل أن أرى نور عينَي أمي وأبي ودفء قلبيهما؟

أحقاً أنا معاقة؟ متخلفة؟ مريضة؟ أستحق الشفقة؟ وقد أُثيرُ الاشمئزاز لمن يراني، كما قال لك ذاك الطبيب؟

لحظتها لم أنقلب، بل كنتُ أنصتُ باهتمامٍ، وقلبي يجرحه نشيجكِ المكبوت، وحزنكِ، وانكسار فرحتك، وكلماتٌ ترددت لم أفهمها: معاقة، "متلازمة داون"، نعم "منغولية".

حينها وددتُ لو أخرجُ سريعاً لأقول لكِ: لا تبك يا أمي. وانظري كم من ملامحي هي ذاتُ ملامحكِ وملامح أبي.

أنتِ حقاً جميلةٌ يا أمي. لاعبيني وستجدين أنني أحمل ابتسامة أبي. أنا طفلتكما. أشبهكما رغم الاختلاف. وهل نسيتِ أنّ دمي بعضٌ من دمكِ؟ وروحي هي شقّ روحكِ؟ وما نمى جسدي بغير جسدكِ؟ أفلا أحملُ بعض طيبتكِ وحنانكِ ولطفكِ وبراءتكِ؟ أنا هدية الرحمن إليكم أفتردُّون الهدية؟ أم تقبلونها بنفسٍ راضيةٍ حامدةٍ شاكرةٍ؟ ولعلّني أكون جنّتكم وفرحكم.

ويجيئك المخاضُ فأتعبُ وتتعبين. وأخرجُ للدنيا، ولكن أترتاحين؟

بحضنٍ وعطفٍ احتويتِني، وددتُ لو مددتُ يدي أمسحُ دمعكِ، أعدكُ أنّي لن أخذلكِ يا أمي. فقط ثقي بي وبقدراتي. ومُدّي لي يداً من صبرٍ وعلمٍ وتعليمٍ. وستدهشين من عطائي وذكائي.

كم كنتُ فخورةً وأنا بين ذراعيك تخبري ضيوفك عني: طفلتي الرائعة "بسمة" تختلف عنّا قليلاً لأنّها مميزةٌ. نعم شكل عينيها، وطيّةٌ واحدة في يدها، وتسطّحٌ في وجهها، وكذلك شعرها الناعم، وقصر قامتها قليلاً وصعوبةٌ في التعلم. لكنها مميزةٌ بقلبٍ حنونٍ. حنون رغم وجود ثقب بداخله، وعاطفةٍ مدهشة عوّض الله عز وجل بها أطفال "متلازمة داون" بعض ذاك النقص في الجسد والعقل.

وأذكر يا أمي كم كنت تكررين لمن يسألك: "ابنتك منغولية؟" فيكون "أرفض هذا النداء لطفلتي. هي فقط من ذوي الاحتياجات الخاصة والقدرات المختلفة المميزة واسمها بسمة".

نعم، أنا مميزة يا أمي، رسوماتي التي زينتِ بها جدران المنزل تشهد لي. ذكرياتي في تلك الصور تخبرك عني: مع أصدقائي في المدرسة، في الرحلات، على المسرح أؤدي دور الفراشة.

أتعبتك معي يا أمي. وتاقت أذناك لتسمع كلمة "ماما" من بين شفتي، فزاد إصرارك لأتعلم النطق رغم صعوبته. فكنتِ أول كلمة: ماما، وكنتَ يا أبي أحلى كلمة. وكنتُ لكما البسمة.

D 25 أيار (مايو) 2013     A ظلال عدنان     C 18 تعليقات

11 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 84: "عود الند" تبدأ سنتها الثامنة

تراثنا الأدبي بين الوحدة والتنوع

قراءة في ديوان للهكواتي

خصوصية الإبداع الروائي لدى نجيب محفوظ

سينما: فيلم المجهول