منال الكندي - اليمن
صحارى الإحساس: ثلاثة نصوص
حـبـــك
كانت واضحة معه من البداية. لم تشأ ظلمه أو ظلم نفسها.
قلت إنك قيس وأنا ليلاك. ونسيت أن عصر العاشقين انتهى. قلت سأجعلك تاجا فوق راسي، وأجمع لك نجوم السماء لأصنع منه لك إكليلا يزين رأسك، وتصبحين أميرة حياتي. ولكنك نسيت أن القرن الحادي والعشرين لا تحوي جنباته رومانسية نزار قباني، ولا أحاسيس جبران خليل.
حبيبتي، حياتي. تقولها وتصر عليها. هي مجرد كلمات نقولها، ولكن لا تلامس مشاعرنا، لأننا في زمن صار يتقن فن الكلمات، ويعبث بالأحاسيس. إن السكوت أصعب من الكلام، لكنه موسيقى تستطيع أن تنقل الحالمين إلى مسارح الأحلام البعيدة، فتصغي لنبضات القلوب.
كلماتك باردة كالثلج. سهلة الذوبان. لا تستطيع الصمود عند أول إشراقة شمس الصباح. قلبك رائع ولكن لم يتعلم كيف يحب، لم يتعلم كيف يعزف على أوتار المشاعر الصادقة، ليجعل منها لحنا رائعا يملأ الدنيا قصائد حب وتصبح أنشودة العاشقين.
ليتها كلمات كحبات الياسمين والرياحين وزهرات الزنبق تنثرها بيديك فوق رؤوس المحبين صدقا وودا.
::
لـسـت الأبـقــى
نفهم كل شيء. نعي كل ما يجري من حولنا متشابهين، مختلفين، يبقى الهدف واحد في كل شيء. آمالنا، أحلامنا خدعتنا، نعلق عليها كل شيء، نبني منها سفنا لتعبر بنا الشطآن، سهلة أو صعبة المنال، تظل قارب النجاة لننجو بها من هواجسنا. الانتظار مع أمل يعني الموت المهذب الذي يلاعب الوجدان ببطء. سكوتنا، صراخنا لم يعد يعني شيئا في صخب الحياة. الكل يعزف لحنه أكان جميلا أم بذيئا، لكنه ينتظر من جمهوره التصفيق ويصر على روعة لحنه وقدرته على اختراق مشاعر جمهوره دون ترك فرصة له أن يحكم. الكل يزول. يتغير. لماذا الإصرار على أنك الأبقى والأقدر. تريث، تأمل، انظر حولك، فيه الكثير ليهتز كيانك له. تأمل التاريخ ليخبر بإعادة نفسه وتكراره. فإن دامت لغيرك ما وصلت إليك.
::
الإلـغـــاء
قرر أن يعطي عقله إجازة، لا يفكر بشيء ويترك كل شيء لوقتها، لشأنها. هذه البداية، فعقله مليء بالهموم والمشاكل، تنوعت واختلفت وتكاثرت.
فقر، مرض، حروب، تنمية، شعارات، جهل وثورة وأسماء وأحزاب وحكومات لم ير منها فائدة، بل هي بالنسبة له صدمة أو ضربة يتلقاها كل يوم، أسبابها كثيرة والحلول أكثر ولا يزال كل شيء مفقود. قرر أن يعطي عقله إجازة، ربما يجد فيها راحته، ولكنه لم يستطع. أصوات من حوله تلاحقه، اذهب وأبحث عن عمل، لا يوجد شيء بالبيت.
ربيتك وعلمتك ولم استفد منك.
إن فلان أفضل منك فقد حقق الكثير.
بين قوسين: أكيد حقق ولكن كيف؟
الجلوس بالمقهى أسهل. ربما يحصل على شيء من الهدوء بعيدا عن تلك الأصوات، ومع رشفات القهوة الساخنة، ونفث دخان الأرجيلة، قد يشعر بعالم آخر. ولكن لم يدم هذا طويلا، فأصوات أخرى أخرجته من عالمه وانتزعته من فضاءات عقله وسكون نفسه.
هل رأيت القتلى في العراق؟
أمريكا تخطط للقضاء على العالم.
قرأت اليوم الصحف. إسرائيل تهدم الأقصى، وتعلن القدس عاصمة.
الفصائل الفلسطينية تقاتل بعضها، ومؤتمرات على هامش الصراعات تؤيد وتشجب وتنادي بالتطبيع.
إنفلونزا الخنازير، وأمراض تفتك بالعالم، وفيروسات متحررة، ولقاحات متطورة قد تكون سببا في دمار العالم.
لم يعد يحتمل، أراد أن يصرخ، ولكن لم يستطع، خرج يجري بعيدا والأصوات تلاحقه، قرر أن يبعد؛ أن يلغي تلك الأصوات بإسكاتها، إلا ذلك الصوت، أنينه على قارعة الطريق.
◄ منال الكندي
▼ موضوعاتي