كان تاريخها 8/11/1980. لم يمض على اغتراب باية سوى أقل من أربعة أشهر. ضاقت ذرعا بالغربة في بلد لا تعرف فيه أحد سوى من كانت تؤمن بهم "رفاقا". بلد غريب في عاداته ومختلف جدا عن بلدها. كانت تخاف كثيرا من الليل، فتغلق كل نافذة توصلها بالعالم الخارجي، وبيتها كان مكون من غرفة واحدة ولواحقها، ليس فيه شرفة، لا تتجاوز مساحته اثنين وعشرين مترا مربعا، مرتب ترتيبا أنيقا، كان يسكنه قبلها أستاذ جامعة اختار توفير النقود على العيش في بيت واسع طالما اغترب ليؤسس مستقبله.
باية وجدت البيت رائعا لما تحمله من (…)
الغلاف > المفاتيح > مقالات > ذكريات وسيرة
ذكريات وسيرة
المقالات
-
رسالة كتبت قبل عقود
1 نيسان (أبريل) 2008, ::::: أميمة أحمد -
التراب لم يصل لصاحبه
1 كانون الأول (ديسمبر) 2007, ::::: هبة محمد الأغاكعادته، كان يجلس كل يوم بعد صلاة المغرب على ذلك الكرسي الخشبي القديم، ويجلس لفترات طويلة. أراه يمسك جريدة ويعصرها قراءة، وتارة يحمل كتابا يقلبه كثيرا، أو يأتي بمذياع يسمع منه نشرة الأخبار التي مللناها كثيرا.
جاء ذات يوم مبكرا، بعد صلاة العصر بقليل. لم أتوقع أن يفسد عليّ مراقبته في هذا الوقت، خاصة وأن وقت العصر ننجز فيه واجباتنا ودراستنا، وأجلس بعد المغرب على شرفتي أناجي السماء قليلاَ، ثم أخلد للنوم بعد صلاة العشاء مباشرة استعدادا لصلاة الفجر.
عجبت من قدومه مبكرا هذه المرة، وكان معه طفلة (…) -
غزة: يوم كسر القيد
1 شباط (فبراير) 2008, ::::: سمر شاهينغزة: يوم كسر القيد: مشاهد من جانبي الحدود الفلسطينية المصرية
لم أتخيل للحظة منذ أشهر أنني سأجتاز الحدود المصرية الفلسطينية لأتجول في مدينة العريش. ولكن ذلك أصبح واقعا لم يكن في الحسبان صباح الأربعاء، الثالث والعشرين من كانون الثاني من العام الجاري، فما أن دقت الساعة الحادية عشر صباحا من ذلك اليوم إلا وكنت أتجول في ارض الكنانة واقتني ما احتاج إليه وعائلتي في غزة المحاصرة منذ شهور.
وتبدأ الحكاية حينما استقللت سيارة من ميدان فلسطين بمدينة غزة إلى مدينة رفح جنوب القطاع حيث الحدود المصرية (…) -
الحكاية هي المأوى
25 كانون الثاني (يناير) 2013, ::::: عباس علي عبودربما كانت هي المأوى من الواقع الغامض، المراوغ، المجهول. هي الحكاية إذن، ترويها أمي ونحن أطفال دون السابعة. كان المساء يخيم فوق البيوت، والظلمة تهيمن، تفصح النفوس عن حيرتها، وخوفها، ورغبتها في الهروب من دوامة الواقع، إلى مرفأ الحكاية، إلى المأوى. كنا ننام على أسرةٍ حولها، وهي تحكي عن عوالم أم كشَّونة، وساحرات النهر. وعن أمٍ تحمي أطفالها في سياق السرد. كأنَّ الواقع الافتراضي هو الأصل المسيطر عليه، والموجَّه صوب الأمان. ينقضي النهار في المعافرة واللعب، ويتحول الليل إلى منجم الحكاية. كنت أتأمل (…)
-
النور الجميل
1 آذار (مارس) 2022, ::::: شفاء داودلمْ أخرج خروجا طبيعيا واحدا في حياتي قط. جميعها كانت أشبه بولادات قيصريّة اقتضت مساندة فريق طبّي كامل يعي أنّ العمليّات الدّقيقة المعقّدة لا تكفيها مهارةُ قابلة قانونيّة معروفة واحدة. كلّ خروج كان يُهيّئُني لنضج يستدعي خروجا أكبر من بعده.
كلّ عتمة كنت أحسبها الأخيرة كانت تتبعها غياهبُ ودُجى وظُلمات. أمضيتُ العمر بحثا حثيثا عن نور جميل، فما رأيته جليّا، وما وجدته بهيّا سنيّا كما كان يبرق فجر كلّ ليلة أخيرة تسبق طلعة نهار الخروج العظيم.
حين تخرّجتُ من الجامعة، كنت أحلم كما يحلم الحالمون. (…) -
سأكون هناك
26 شباط (فبراير) 2015, ::::: شيخة حليويلم أكُن أجدُ حرجا كبيرا في الكذب عليها، الكذب عليها بالذات. كنّا جميعا نُخفي عن أمّهاتنا أمورا ونكشف عن أخرى. حتّى تلك التي نختار البوح بها نغلّفها بعناية مصطنعة كما نغلّف الهدايا الرخيصة. نغلّفها ببعض كذبٍ ناصع البياض.
كلّ ما أخفيتهُ عنها ما كنتُ أراهُ يندرج في إطار "التْشِذِبْ" (الكذب)، ولم يكُن بالتالي يستحقُّ ما تنزله بي منْ عِقاب بعدَ أن يصفعها "تِشذبي" ويحرجها أمام الآخرين.
كُنتُ أحتاجه، الكذب، كما أحتاجُ أن أكون، أن أكون منهم، منهنّ: طوني، جوليا، مها، إيهاب، نادرة، تشارلي ... (…) -
عازف المزمار
1 أيار (مايو) 2011, ::::: إبراهيم يوسفشو بقي من العمر إلنا شو بقي؟
غير المحبّي وغير هالوعد النّقي
كلما ازرق الغيم عا حدود السّما
بتذكّرك وبقول: بعد منلتقي (1) . درويش؟ يعرفه جميع من في الحيّ. ويعرفون أنّه ليس له من اسمه نصيب. التقيته في الصباح الباكر، كنت كالعادة في طريقي إلى موقف الحافلة، التي أستقلها إلى عملي، وهو كعادته في طريقه إلى بيته، بعد ليل قضاه في مربع للسهر، حيث يعمل عازفا على المزمار مع "تهاني" الراقصة؛ تهاني جابت بشهرتها الآفاق، فلهج باسمها "خفافيش" الليل والحانات، وفتنت بلحظها وساقيها السكارى؛ وأصحاب المزاج. (…) -
عندما تركتً سكني في المدينة/ج3
25 نيسان (أبريل) 2015, ::::: إبراهيم يوسفالجزء الثالث والأخير
في باريس كانت تنتظرنا بعض الإجراءات الإدارية في السفارة اللبنانية، والحجز في الشركة الوطنية للطيران التي أعمل فيها، والتي أوفدتني مرارا إلى الخارج، وساهمتْ لاحقا في مساعدتي على تعليم أولادي. ولا زلتُ حتى الساعة أشعر أن لها في ذمتي فضلٌ كبير، فمنْ تعلّم من أبنائي خارج البلاد؛ كان يأتي ليزورنا مرتين في العام. أما رفاقهم من الطلبة الآخرين فكانت زياراتهم لأهاليهم نادرة، لا تتعدى المرة الواحدة طيلة فترة إقامتهم للدراسة.
قبل أن نأتي إلى أولورون سانت ماري، وخلال إقامتنا في (…) -
طيف لينا
25 كانون الثاني (يناير) 2014, ::::: هدى أبو غنيمةبدت لي بين جمع الطالبات كائنا أثيريا تحيطه هالة نور. لم تكن تشارك في المحاضرات إلا في القضايا التي تتطلب قدرات إبداعية، كأنها تضن بإهدار طاقتها في العادي والمألوف.
وكثيرا ما عرضت عليّ نصوصها المبدعة. شيء ما في ملامحها يستدعي إلى ذهني صور أميرات الأساطير في اللوحات العالمية: ذلك الصفاء في عينيها صفاء سماء في صباح مشرق؛ وتلك السكينة التي توحي بها ملامح وجهها وتشيع في مكان حضورها.
وفجأة انقطعت عن الحضور. مر الاختبار الأول، ولم تحضر. سألت زميلاتها فقلن إنها ربما تغيبت بسبب عارض صحي ولا يعرفن (…) -
من الحب ما قتل
1 شباط (فبراير) 2011, ::::: نوزاد جعدانملهم. هكذا كان اسمه. عرفته أيام الطفولة حين كنا نلعب بالصور القديمة ونتبادلها، وكنتُ دائما أربح منه بالغش والحيل. رافقني أيام المراهقة حين كنا نتسكع في شوارع حلب تحت سقف مساءاتها المتعبة والمترعة. كانتْ أقدامنا تتورم أمام ديار حبيبة كل منا. وملهم رقيق جدا، له قلب أرق من السلوفان وله مشية بساق ثابتة وابتسامة فيها ظلّ من الغموض. كان وقور السمت ومتين البنيان، وله رقبة غليظة تكاد تخترق كتفيه.
انتقلتْ عائلته من حارتنا منذ سنين فارعة ومن وقتها لم أره، وفي ذاك اليوم الأهوج والسماء في مخاض، بينما (…)