تقرير التنمية البشرية 2015
أحوال العمل وفرصه في عصر التكنولوجيا
أدناه مقتطف من تقرير التنمية البشرية في العالم لعام 2015، الصادر في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2915 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). الرابط للتقرير الكامل في ختام المقتطف.
تؤدي التكنولوجيات الجديدة إلى تحويل أنواع وطرق العمل الذي يزاوله البشر. وهذا التغيير ليس جديدا لكنه يعيد تشكيل الصلة بين العمل والتنمية البشرية، وأنواع السياسات والمؤسسات اللازمة لتحقيق كل ما هو إيجابي للبشر. فالتكنولوجيات الرقمية، بما هي عليه من انتشار ونفاذ، تغير عالم العمل في كل مكان، ولكن آثارها تتفاوت بين بلد وآخر.
وتبلغ بعض التكنولوجيات من الانتشار ما يعبر حدود القطاعات، كتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، والهواتف النقالة، وغيرها من الأجهزة اليدوية. ولكن هياكل الإنتاج والتشغيل، واستخدامات التكنولوجيا الرقمية، ستبقى مختلفة بين بلد وآخر، بسبب اختلاف الحيز الذي تشغله الزراعة والصناعة والخدمات في الاقتصاد، وحجم الموارد التي تستـثمر في توسيع إمكانات البشر.
كما تختلف بين بلد وآخر أسواق العمل، ونسبة العمل غير المدفوع الأجر، وأنواع أماكن العمل، لذلك تختلف آثار التكنولوجيات الرقمية على العمل.
ولا يقتصر تأثير الثورة الرقمية على صناعات التكنولوجيات المتقدمة، بل يطال أيضا مجموعة واسعة من الأنشطة غير النظامية، من الزراعة إلى البيع في الشوارع. وترتبط بعض هذه الأنشطة باستخدام الأجهزة النقالة. ففي إثيوبيا، يستخدم المزارعون الهواتف النقالة للاطلاع على أسعار البن. وفي المملكة العربية السعودية، يستخدم المزارعون التكنولوجيا اللاسلكية لتوزيع مياه الري الشحيحة في زراعة القمح[48]. وفي بعض القرى في بنغلاديش، تستخدم صاحبات الأعمال الحرة الهواتف لتقديم الخدمات للجيران لقاء أجر.
وتسهل الهواتف النقالة اليوم الكثير من نواحي العمل من خلال المكالمات الصوتية، والرسائل القصيرة، والتطبيقات النقالة. وتستفيد من التكنولوجيا أنشطة كثيرة في القطاعين النظامي وغير النظامي، في العمل المدفوع وغير المدفوع الأجر، من بيع الأغذية في القاهرة، وتنظيف الشوارع في السنغال، إلى تقديم الرعاية في لندن.
ويساهم استخدام الإنترنت والهاتف النقال في تمكين الأفراد من تطوير قدرتهم على الإبداع والابتكار. والإمكانات كثيرة إذا ما تحققت المساواة في الحصول على هذه الخدمات بين الرجال والنساء، وبين المدن والأرياف.
وإذا تساوت البلدان النامية بالبلدان المتقدمة في النفاذ إلى الإنترنت، فيمكن الوصول بالمكاسب المحققة إلى 2.2 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي، واستحداث أكثر من 140 مليون فرصة عمل، 44 مليونا منها في أفريقيا و65 مليونا في الهند. ويمكن تحسين الإنتاجية في البلدان النامية على المدى الطويل بنسبة قدرها 25 في المائة [49].
وقد مكن الاقتصاد الرقمي العديد من النساء من الحصول على عمل يتيح لهن استثمار طاقاتهن في الإبداع والابتكار. وفي عام 2013، بلغ عدد النساء اللواتي يستخدمن الإنترنت 1.3 مليار امرأة [50]. وقد دخلت بعضهن معترك التجارة الإلكترونية في ريادة المشاريع، واستطاعت أخريات إيجاد فرص العمل من خلال آلية العمل الحشدي، أو في الخدمات الإلكترونية. ولكن هذا العالم الجديد في العمل يحبذ ذوي المهارات والمؤهلات في مجال العلوم والتكنولوجيا، حيث تقل نسبة النساء.
ويتيح هذا العالم الجديد خيارات عمل للمسنين، في حال رغبتهم في الاستمرار في العمل أو عدم قدرتهم على تحمل أعباء التقاعد. ويعمل معظم العاملين المسنين والشباب في أسواق عمل مختلفة (فال مجال للإحلال المباشر بين الفئتين)، ولا داعي للقلق من خسارة قد تقع على الشباب بسبب إصرار المسنين على مواصلة العمل.
وبعد، تبقى المخاطر ماثلة والكثير من الوعود غير محقق. وقد نكون على مفترق حافل بالآثار الإيجابية والسلبية. فالتغيير الذي تحدثه ثورة التكنولوجيا منحاز للمهارات، والحصيلة انخفاض في الطلب على العاملين من فئات المهارات غير المتخصصة وزيادة في الطلب على العاملين من فئات المهارات المتخصصة. ويأتي هذا التغير، بحكم تعريفه، لصالح رأس المال البشري المرتفع، ويحدث حالة استقطاب في فرص العمل.
ففي الأعلى، تؤول الوظائف الجيدة لذوي التحصيل المرتفع في التعليم والمهارات. ويكون المهندسون الذين يصممون ويختبرون المركبات الجديدة،في قطاع السيارات مثلا، أكبر المستفيدين.
وفي الأسفل، ستبقى وظائف في قطاع الخدمات، كتنظيف المكاتب، قليلة المهارات ومنخفضة الإنتاجية ومتدنية الأجور. وفي الوسط، ستلغى العديد من الوظائف في المكاتب والمصانع. وسيكون أكبر الخاسرين من العاملين الذين يقومون بأعمال روتينية لا تتطلب مهارات متخصصة.
وستبقى وظائف معرفية من التعقيد ما يتجاوز قدرة ذوي الكفاءات من المستوى المقبول. وستشكو بعض الصناعات من نقص في المهارات، وستتوجه الشركات المستعدة لدفع أفضل الأجور لأفضل المواهب إلى السوق العالمية. وإضافة إلى حالة الاستقطاب على صعيد البلدان، ستكون القوى العاملة مقسمة إلى طبقات على الصعيد الدولي، حيث تكون السوق الوطنية مصدرا للعاملين من فئة المهارات غير المتخصصة، والسوق العالمية مصدرا للعاملين من فئة المهارات المتخصصة.
واليوم هو زمن المهارات المتخصصة والتعليم المناسب، لأن العاملين بهذه الصفات هم الذين يستخدمون التكنولوجيا لتكوين القيمة والحفاظ عليها.
وقد ولى زمن المهارات والقدرات المتوسطة، لأن الحاسوب والروبوت والتكنولوجيا الرقمية تكتسب هذه المهارات والقدرات بسرعة فائقة.
ومما بشرت به الثورة الرقمية زيادة في الإنتاجية وبالتالي في الأجور. فلم تتحقق هذه ولا تلك، فالإنتاجية تحسنت بالمعدلات المتوقعة، وما سجل من تحسن لم يحقق سوى القليل من المكاسب للأجور.
وفي العديد من الاقتصادات (كما في هولندا)، اتسعت الفجوة بين نمو الإنتاجية وزيادة الأجور على مدى السنين، والأخطر من ذلك أن متوسط الأجور يحجب ثنائية الركود في الأجور الحقيقية لمعظم العاملين والارتفاع الحاد في مكاسب ذوي الدخل المرتفع.
وقد رافق ثورة التكنولوجيا تفاقم في عدم المساواة. ويحصل العاملون على حصة متناقصة من مجموع الدخل. وحتى الأشخاص الذين تحسن مستوى تعليمهم وتدريبهم، وبات بإمكانهم العمل بإنتاجية أعلى، قد لا يكافؤون بأجور أعلى، أو باستقرار في ظروف العمل، أو بتقدير في المجتمع.
وتناقص نصيب العاملين من الدخل قد يعتبر نتيجة لتباطؤ النمو في متوسط الأجور الحقيقية: فبينما ترتفع حصص العاملين من فئات المهارات المتخصصة (ورأس المال) تنخفض حصة سائر العاملين.
والارتفاع الحاد في المكافآت لذوي الرواتب المرتفعة لم يعد بالفائدة إلا على قلة، سواء كانت 10 في المئة، أو 1 في المئة أو حتى 0.1 في المئة. وتملك النخبة العالمية، أي أغنى 1 في المئة من سكان العالم، ثروة وصل متوسط نصيب كل فرد بالغ منها إلى 2.7 مليون دولار في عام 2014[51].
هل العاملون وأصحاب العمل وصانعو السياسات على استعداد لمواجهة التحديات في عالم العمل الجديد؟ ففي هذا العالم، سرعان ما تتقادم المعارف التقنية المتخصصة، وسياسات وقواعد الأمس قد لا تصلح لمواجهة تحديات اليوم أو الغد.
= = = = =
الهوامش
49. Deloitte 2014
50. ITU 2013
51. Oxfam 2015
اضغط/ي على الصورة للانتقال إلى النص الكامل للتقرير باللغة العربية، بصيغة بي دي اف.
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي