عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

عدلي الهواري

كلمة العدد 115: المرأة والسلام


.

د. عدلي الهواريضحايا الحروب والنزاعات المسلحة الرجال والنساء والأطفال، وليس المتحاربون فقط. ولكن لا مبالغة في القول إن للحروب آثارا أكبر على النساء، بعضها طويل الأمد، فالنساء في النزاعات عرضة للاغتصاب المنهجي، وإذا نجون، يتحول الكثير من المتزوجات إلى أرامل، وتنتقل مسؤولية إعالة الأسر إليهن نتيجة مقتل أو إصابة أو خطف معيل الأسرة، دون أن يكون لهن المقدرة على ذلك، فيصبحن ضحايا للفقر، والعيش على المعونة والإحسان.

واعترافا بالأثر الأكبر للحروب والنزاعات على النساء، تبنى مجلس الأمن الدولي في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2000 القرار رقم 1325، الذي رأي أنه "من الممكن أن يؤدي فهم آثار الصـراع المسـلح علـى المـرأة والفتـاة، وتوفـير ترتيبـات مؤسسـية فعالـة لضمـان حمايتـهما ومشـاركتهما الكاملـة في عمليـة إحــلال السلام، إلى الإسهام بدرجة كبيرة في حفظ السلام والأمن الدوليين وتعزيزهما"[1].

وبناء على ذلك، حث مجلس الأمن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "على ضمــان زيـادة تمثيـل المـرأة علـى جميـع مسـتويات صنـع القـرار في المؤسسـات والآليـات الوطنيـة والإقليميـة والدوليـة لمنـع الصراعـات وإدارتهــا وحلها"[2].

لا يمكن للإنسان أن يختلف مع الأهداف النبيلة للمؤسسات الدولية أو غيرها، بما في ذلك الجمعيات الأهلية الصغيرة، حتى لو كانت غير رسمية. ولكن الحديث عن أهداف نبيلة دون سياق يكون منفصلا عن الواقع، وهذا ما يلمسه من يقرأ الدراسة ذات العلاقة بهذا القرار التي أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (ESCWA)، بالتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.

عنوان الدراسة: "تحديد الفجوات التشريعيّة في تطبيق قرار مجلس الأمن 1325 (2000) حول المرأة والأمن والسلام في دول عربيّة مختارة"، هي تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق ولبنان وفلسطين.

تقول الدراسة إنها وجدت "حاجة ماسة إلى مراجعة التشريعات، من أجل القيام بمسؤولية تطبيق القرار 1325 ... وبالرغم من بعض التحسن خلال السنوات الماضية، فإن الدول العربية لا تزال تسجل أدنى مستويات مشاركة النساء في الهيئات التشريعية المنتخبة، وكذلك في مستويات صنع القرار على الصعيد التنفيذي الحكومي"[3].

من حيث المبدأ، لا اعتراض لي على مراجعة التشريعات، ولكن المواطن في الدول العربية تحديدا يعرف أن التشريعات والواقع لا يتشابهان كثيرا، فالدساتير تكفل حرية التعبير، ولكن هذه الحرية غير موجودة أو مقيدة بقيود كثيرة. وبالتالي من الممكن جدا سن قوانين ذات علاقة بقضايا المرأة دون أن يكون لها أثر على تحسين أوضاع النساء بشكل عام.

أما الانفصام الواضح عن الواقع فهو جلي في الجزء المتعلق بفلسطين، فالدارسة تقول: "وفي فلسطين، حيث تستمر المفاوضات الآن لأكثر من عشرين سنة، لم تشارك في الوفود الفلسطينية المختلفة فيها سوى بضع نساء"[4].

هل لو شارك عدد أكبر من النساء الفلسطينيات في المفاوضات لما احتاجت أن تستمر أكثر من عشرين عاما دون أن تتوج باتفاق؟ هل لو ترأست حنان عشراوي أو غيرها وفد المفاوضات والمفاوضين الفلسطيني بدلا من صائب عريقات أو غيره لكانت النتيجة أفضل؟

ولو نظرنا للأمر من الجهة الأخرى، هل لو ترأست وفد المفاوضات الإسرائيلي تسيبي ليفني، وبمشاركة عدد أكبر من المفاوضات الإسرائيليات لكانت النتيجة أفضل؟ الإجابة الساذجة ستكون نعم، أما الواقعية فلا علاقة لها بجنس أعضاء الوفود المفاوضة.

في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، كما في غيرها، ميزان القوى هو الذي يحكم عملية تقديم التنازلات في المفاوضات، وليس جنس أعضاء الوفد، أو مهاراتهم. كل من يشارك في مفاوضات يدخلها وهو يعرف أوراق قوته وضعفه، والحد الأدنى لما يقبل به والأحد الأقصى لما يمكن أن يحصل عليه وفق ميزان القوى وأوراق القوة والضعف.

لا أحد يدخل مفاوضات بأجندة مفتوحة فيحصل فيها طرف على كل ما يريد من الآخر بمهارة في التفاوض، وأحد الأطراف يقدم كل ما يريده الآخر عن طيب خاطر. بعض المفاوضات شكلي وقد تكون غايته فرض طرف إرادته على الآخر، مثلما فعل الجنرال الأميركي نورمان شوارتزكوف في مفاوضاته مع الفريق العراقي سلطان هاشم أحمد في خيمة قرب الحدود بين العراق والكويت عام 1991، أو يكون شكليا ويستمر إلى ما لا نهاية لأن أحد الأطراف لا يريد التوصل إلى اتفاق.

ولكي أوسع أفق النقاش المتعلق بالمرأة في صنع القرار، أود أن أشير إلى أن الواقع يؤكد أن تصرف المرأة في المنصب الرسمي لا يختلف عن تصرف الرجل. لم يختلف تصرف غولدا مئير، رئيسة وزراء إسرائيل، وانديرا غاندي، رئيسة وزراء الهند، ومارغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا، وهيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأميركية، وغيرهن، عن تصرف نظرائهن الرجال في حالات السلم والحرب. ولذا يمكن القول إن في قرار مجلس الأمن 1325 ودراسة اسكوا المرتبطة به من النيات الحسنة أكثر مما يسمح به الواقع.

وفي الختام يجب ألا تغيب عن البال مفارقة أن مجلس الأمن الذي تبنى القرار 1325 لا يملك في الواقع المقدرة على صنع قراراه، فهناك خمس دول دائمة العضوية تحظى بحق النقض/الفيتو (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا)، فإذا لم تحصل إحدى الدول الخمس على القرار الذي يناسبها لاستخدام القوة ضد بلد ما، لا تمتنع الدولة المعنية عن شن حرب أو القيام بأعمال عسكرية باستخدام ذرائع أخرى. وتكون النتيجة الكثير من الدمار والعديد من الضحايا من الرجل والنساء والأطفال. ولذا فإن الثغرة الأكبر في تطبيق القرار 1325 ليس في التشريعات المحلية، بل في عجز مجلس الأمن الدولي عن فرض إرادته على الدول الكبرى التي تفرض أرادتها على دول أخرى بالقوة، بقرار من مجلس الأمن أحيانا، وبدون قرار في أحيان أخرى.

= = = = =

الهوامش:

[1] قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325. النص الكامل بالعربية متوفر على الرابط التالي:

http://www.un.org/womenwatch/ods/S-RES-1325(2000)-A.pdf

[2] المصدر السابق.

[3] اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA) التابعة للأمم المتحدة، "تحديد الفجوات التشريعيّة في تطبيق قرار مجلس الأمن 1325 (2000) حول المرأة والأمن والسلام في دول عربيّة مختارة"، ص vii. النص الكامل للدراسة بالعربية على الرابط التالي:

https://www.unescwa.org/sites/www.unescwa.org/files/publications/files/e_escwa_ecw_15_tp-4_a_0.pdf

[4] المصدر السابق، ص ص 19-20.

JPEG - 31.9 كيليبايت
الأمم المتحدة المرأة والسلام
D 26 كانون الأول (ديسمبر) 2015     A عدلي الهواري     C 2 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

تهنئة بالعام الجديد 2016

مقتطف: المرأة ومفاوضات السلام

ملف: قرار مجلس الأمن الدولي 1325

ذكرى تكفكف دمعها الذكرى

نداء صلاح الدّين