عدلي الهواري
كلمة العدد 29: عـن الـهــويــة
يثور جدل ساخن أحيانا حول مسألة الهوية في مناطق مختلفة من العالم. وكلما ثار جدل حولها نستمع إلى أحاديث عن نسخة أصلية من الهوية، وأخرى متنافرة معها. وينطبق هذا كثيرا على المهاجرين إلى الدول الغربية. ولكنه يحدث أيضا في الدول العربية، حيث تطل مسألة الهوية برأسها من حين لآخر.
لسبب ما يبدأ الإنسان بالاهتمام بهوية معينة، ويدفعه اعتزازه بها إلى اعتبارها الأهم والأسمى في العالم. ويضيق ذرعا بأخيه الإنسان الذي يبدو متمسكا بهويته التي قد تكون مختلفة حقا أو افتراضا لا أكثر.
في كثير من الحالات لا يكون الإنسان مهتما بتعريف هويته، فهو إنسان أولا وأخيرا، و"كلكم من آدم، وآدم من تراب." ومعروف عن الهوية أنها ليست قالبا له مقاييس محددة. ويمكن أن يكون للإنسان أكثر من هوية حتى داخل بلده. وبعض الهويات اختياري وبعضه يفرضه الواقع، فلو هاجر عربي إلى الصين وحصل على الجنسية وتكلم الصينية كأبناء البلد سيبقى في نظر الكثير من الصينيين ذا هوية مختلفة.
وعندما يندلع الجدل حول الهوية، كثيرا ما تطالب فئات معينة في مجتمع ما بالاندماج أو الانصهار والذوبان في مجتمع الدولة التي تعيش فيها، مع أن ذلك يتحقق ذلك طوعا أحيانا، أو مع تقادم الزمن.
هناك أسلوبان في التعامل مع مسألة الهوية في دول العالم: أحدهما يقبل بتعدد الثقافات، كما في كندا مثلا، وآخر يدعو إلى صهر جميع الثقافات لتشكيل ثقافة/هوية واحدة، كما في الولايات المتحدة.
الواقع الملموس يؤكد أنه مهما بلغت درجة الانصهار والذوبان في مجتمع دولة ما، تحافظ فئات على هويتها/هوياتها الأصلية أو شيء منها. الولايات المتحدة اختارت نظام البوتقة التي ينصهر فيها المهاجرون ويُسْكبون في قالب يخرجون منه أميركيين. ولكن هذا لا يمنع الأميركيين من أصل أيرلندي مثلا من الاحتفال بمناسبة أيرلندية هي يوم القديس باتريك.
وكان يعاب على المواطن الأميركي أن يشار له بأميركي-ألماني أو أميركي-بولندي، ولكن التعبير المتداول منذ سنوات عند الحديث عن المواطنين السود هو الأفارقة الأميركيون، اعترافا بانحدارهم من أصل أفريقي. ومن المحتمل الآن أن يصبح أفريقي أميركي رئيسا للولايات المتحدة.
وثمة دول، بعضها عربية، تسمح بازدواجية الجنسية، وهذا تطبيق عملي قانوني ينطوي على الاعتراف الرسمي بأن للشخص الواحد هويتين وولائين. وعليه فإن الحديث في بلد ما عن ضرورة وجود هوية واحدة ومحاولة فرضها على من يشعر أن له هوية مختلفة أمر بحاجة إلى إعادة النظر فيه والتخلي عنه.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]