عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

غالية خوجة - سورية

جراح مبللة بالرؤى


غالية خوجةلم يكن في آخر الكون سوى شمعة. هل هي الشمس وقد تجمدت؟ أم أنها روحي المتناثرة؟

* *

ومضينا: خطواتنا في نفس الطريق. نظراتنا في نفس الاتجاه. هل حقا أعرفه ويعرفني؟

* *

غبنا في المسافات البعيدة والقريبة. أحدق فيه: أعرفه أكثر من نفسه، أكثر من معرفة النار للرماد حين تتطاول في اللهب. ويجهلني أكثر مما يجهل الجهل مفرداته الأولى.

مضيت قرب نفسي، حيث لهب الشمعة في اشتعاله الأبدي، هناك، منذ سنين، كنت قادمة من الجامعة، جروحي مبللة بالمطر، وحياتي تتعبني كمخيلتي. كان ينتظرني متألقا بالفرح. يومها، تاه بين السكرة والكلام. يومها، السماء لـمّــا تزل تموج بالعواصف، ونبضاتنا كذلك. شيء غريب يشع من ملامحنا، فتنتبه له الريح وتشي به للشجر:

"سيزورك عصفوران غريبان في زمنك الأخضر."

أيعقل أننا نسينا ظلالنا هناك في المقهى؟ أم أننا كنا مجرد أشباح تطعم الهباء أعمارها؟ ترمي اللحظة في الرمال؟ والزمن في النار؟

* *

في نفس الاتجاه معا. هو يلتف على هواجسه وظلمه وظلامهم. وأنا أتشظى مع رؤاي النازفة. وحدها الكلمات تعي آلامي التي لا تتجمد ولا تعرف الذوبان. أحدق فيه أيضا:

هل هذا هو ذاته الاصفرار الذي أراه منذ اثنتي عشرة سنة؟ وكيف تغير من شاعر يحس بموتي إلى رجل أكثر من تقليدي لا يرى في الأنثى سوى انفصاماته وأمراضهم؟

إيقاع خطواته باهت، باهت. منذ متى هو غائب عني، حاضر فيّ؟

* *

بصوت منقسم يصرخ: "لا علاقة لي بك."

حتى هذا المسّ لم أدقق فيه كثيرا. اتسعتُ في نفسي متجاهلة وساوسه التي لا تنضب. وضاق في نفسه حتى رددت الصحارى كلماته المنتشرة كالذئاب:

"أنا حزين على مصيرك."

"أي مصير؟ ماذا تعني؟"

وتوارى من أضوائي. وتواريتُ أكثر عن الظلام.

"لا علاقة لي بك."

ثم اختفى بين ظله وظله.

* *

هو غاب في شارع يزدحم بظنونه المهلوسة. وهي تابعت إلى اتحاد الكتاب متسائلة: منذ متى الإبداع والأخلاق من الجرائم التي لا تغتفر؟

وما دام الله قد قضى أمرا شاءه، فسأتابع واجبي الإلهي والوطني سواء أبوا أم أبوا. تقول وهي تختفي في الاشتعال أكثر فأكثر.

* *

المطر الذي سيسقط بعد ثلاثة أيام يحضن دمعاتها. والعشب المتقافز في البراري يتوشوش، فيسمع البحر الهادر هناك، حكاية جديدة:

كان في ذلك المكان، فتاة تحسدها الأزهار على براءتها. تركض مع فراشات الأبجدية، فيسرق الثلج أحوالها المزروعة في النار. وشاءت ألواح القدر أن يحاصرها الجحيم.

أية نار هي الغالبة؟

إحدى الموجات تختلس نفسها وتقف على الجبل. لن تبرد أكثر من ذلك، لن تتجمد، ولن تنصهر. تنظر حواليها:

الفراغ يتسادم كلحن أزلي. الوقت يتزاحم في الخروج من العدم إلى الوجود. السكون مغبر بالورد يتمطى.

الموجة تقول: "جدتي جهنم، أوصتني برعاية هذه الطيبة. سيحدث أن تسبق الأزمنة، لذلك ستحترق."

* *

وهكذا كان. فلماذا تشتكي النار من ناري؟ لماذا؟

ليس في آخر الكون سواي، وأنا أشتعل، أشتعل، وأشتعل.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2010     A غالية خوجة     C 0 تعليقات