عدلي الهواري
كلمة العدد 99: عام دراسي جديد: نحو الارتقاء بمستويات التعليم
يصدر هذا العدد متزامنا إلى حد ما مع بدء العام الدراسي الجديد للمراحل قبل الجامعية، وعليه أرجو لكل الطالبات والطلاب والمعلمات والمعلمين والمنخرطين في سلك التعليم عاما دراسيا طيبا.
تكرر في السنوات الأخيرة ظهور أدلة دامغة على تدهور مستويات التعليم في الدول العربية. ومن مظاهر ذلك تفشي الغش وتسريب الأسئلة قبل الامتحانات، واستخدام أجهزة إلكترونية في مساعدة الطلبة على الإجابة عن الأسئلة وهم في قاعات الامتحانات.
من المعلومات الصادمة التي كشفت بعد الإعلان عن نتائج امتحانات المرحلة الثانوية في الأردن في الدورة الصيفية (2014) عدم نجاح أي طالب من 342 مدرسة حكومية وسبع مدارس خاصة. وكشف النقاب أيضا عن انخفاض نسبة النجاح في أكثر من نصف المدارس الخاصة إلى 50%.
أمكن كشف مواطن الضعف هذه بعد اتخاذ وزارة التربية والتعليم الأردنية إجراءات مشددة لمكافحة الغش، فبلغت نسبة النجاح العامة 40%، وانخفض إلى واحد فقط عدد الحاصلين على معدلات تفوق 99%. ومن المعلومات المذهلة أيضا أن أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة استنكفوا عن تقديم الامتحانات.
لن آتي بجديد عندما أتحدث عن أهمية التعليم ليس في نهضة المجتمعات وحسب، بل للأفراد والعائلات، فطالبة متفوقة أو طالب متوفق في عائلة فقيرة ينتشل الأسرة من أوضاعها الصعبة ويحسن مستواها بعد إتمام الدراسة والحصول على عمل. ولذا لن أطيل الحديث حول أهميته.
لماذا تدهورت مستويات التعليم؟ الأسباب عديدة، ومنها عدم توفير الموارد اللازمة، من مبان ومعدات، وتدهور مكافأة المعلمات والمعلمين، فمهنة أستاذ/ة لا تعني راتبا شهريا يكفي لتلبية متطلبات العيش الكريم، فنتج عن ذلك عدم الاكتراث بالطلبة، واللجوء إلى إعطاء دروس خصوصية لتحسين الدخل.
ولتدهور مستويات التعليم صلة وثيقة بالوضع العام في المجتمع، فهناك اختلال في القيم، وتفاوت كبير في دخل أغلبية الناس ومتطلبات العيش، فإيجارات البيوت وحدها ترهق كاهل العائلات، ويضاف إلى ذلك غلاء الأمور الأساسية كالمواصلات والمواد الغذائية.
مهمة وقف التدهور الحالي في مستويات التعليم ستحتاج إلى جهود كبيرة. والأهم من وقف التدهور الارتقاء بها ثانية، ولا يمكن أن يتم ذلك دون توفير الموارد اللازمة، واعتبار التعليم مسألة حيوية لا تقل أهمية عن حفظ أمن الدولة والمواطنين.
ومع بدء العام الدراسي الجديد آمل ألا يظن أحد أن المبادرة الفردية عديمة الفائدة، ولذا أتمنى من كل من يعمل في مجال التعليم بين كاتبات وكتاب وقارئات وقراء "عود الند" تخصيص نصف ساعة في الأسابيع الأولى من بدء التدريس للفت انتباه الطالبات والطلاب إلى ضرورة الاهتمام بأساسيات الكتابة، فالكتابة والقراءة أساس لا غنى عنه في أي مهنة. أما طلبة الجامعات، فبالإضافة إلى الأساسيات يجب تعلم مبادئ توثيق البحوث قبل انتهاء السنة الجامعية الأولى.
نتيجة الاهتمام بالتعليم في الدول المتقدمة، لا توجد أحكام قضائية مليئة بالأخطاء اللغوية، ولا يلقي وزير أو مسؤول خطابا ليس سليما لغويا، ولا يعمل أحد في الصحافة دون أن يكون ملما بالكتابة وأساسياتها. لا تقبل من أحد أعذار في هذا الشأن.
وسيكون مفيدا لمستقبل الطالبات والطلاب تشجيعهم على الكتابة الإبداعية من قبيل القصص والخواطر، وكتابة التقارير أو البحوث، فالممارسة تقود إلى إتقان المهارات الأساسية. وفي الجامعات التي لا يوجد فيها دليل لتوثيق البحوث، اقترح على أساتذة الجامعات الطلب من المسؤولين عن المكتبات إعداد دليل يكون متوفرا على موقع الجامعة، وبصيغة ورقية في المكتبة.
وفي الختام لا أنسى أن العام الدراسي الجديد يبدأ في قطاع غزة بعد عدوان وحشي أسفر عن وقوع الآلاف من الشهداء والجرحى، وتشريد أكثر من ربع مليون إنسان [1]، حسب تقدير وكالة الغوث (UNRWA). يضاف إلى ذلك تدمير البيوت والأحياء على نطاق واسع. وقد طال التدمير المدارس والجامعات. ولذا سيبدأ العام الدراسي في قطاع غزة والوضع أسوأ بكثير مما كان عليه، علما بأنه كان سيئا نتيجة حصار بري وبحري وجوي مفروض منذ سنوات.
ولكني على يقين من أن طالبات وطلاب غزة، صغارا وكبارا، لن يستسلموا لهذه الظروف الصعبة، وسوف يحرصون على الإقبال على التعليم والتفوق فيه، فأرجو لهم وكل الطلبة في كل مكان نيل أمانيهم وتحقيق أحلامهم.
مع أطيب التحيات
عدلي الهوراي
= = = = =
(1) http://www.unrwa.org/gaza-emergency
ملاحظة: لتسهيل مهمة المعلمات والمعلمين الراغبين في توجيه الطالبات والطلاب نحو اتقان أساسيات الكتابة، أعدت "عود الند" دليلا يمكن تحميلة باستخدام الرابط أدناه، ويضم أحكام الطباعة (مفصل)؛ استخدام علامات التنقيط/الترقيم؛ توثيق البحوث والمراجع؛ ومجموعة من الدروس الموجزة التي تعين على تفادي أخطاء املائية ونحوية شائعة.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
المفاتيح
- ◄ تربية وتعليم
- ◄ كلمة عدد
3 مشاركة منتدى
كلمة العدد 99, هدى أبو غنيمة الأردن عمان | 27 آب (أغسطس) 2014 - 22:51 1
د.عدلي تحية طيبة .واقع التعليم يرتبط ارتباطا وثيقا بواقع الأمة الحضاري المتردي وتهميش اللغة العربية أدى إلى إنتاج جيل بلا هوية حتى كلمة مادة اللغة العربية, أصبحت مهارات تواصل يصل معظم الطلاب إلى الجامعات وهم لايقرأون بل يتهجون بصعوبة ولا يستطيعون كتابة فقرة بلا أخطاء ناهيك عن الأمية الحضارية التي ابتلينا بها نتيجة للاستلاب وتغييب الهوية على أية حال هي مرحلة لابد أن نجتازها وكم من الحقب المظلمة مرت على هذه الأمة ونهضت من جديد .
كلمة العدد 99, هدى الدهان | 29 آب (أغسطس) 2014 - 17:05 2
استاذ عدلي اتفق معك بتدني مستوى التعليم بالعموم ولكن السبب هو بذرة سيئة لن تزول .معلم واحد صار علما بالرشوة والمحسوبية غير كفوء ليتبؤ هذا المنصب انتج جيلا بالكامل مثله و دورة الفساد اكلت القلم و تركت الممحاة تعبث .اما كيف يبدأ عام دراسي في بلد مثل غزة او العراق يدفع للتساؤل مافائدة التعليم في بلدان تعيش على المفخخات وتموت يوميا بالف طريقة ؟
كلمة العدد 99, م. شروق حسان_ الأردن | 1 أيلول (سبتمبر) 2014 - 13:38 3
د.عدلي، تحياتي لك ولكل القراء
إن ما نراه الآن من ضعف تعليمي لدى الطلاب، يعود بالدرجة الأولى لضعف تأسيس الطلاب منذ المرحلة الابتدائية، فيصل الطالب إلى المرحلة الثانوية أو حتى الجامعية ضعيفا، في أغلب المواد الدراسية وليس على اللغة العربية وحسب.
ويعود ذلك ﻷن أغلب المعلمين"إلا ما رحم ربي" جل همهم الوصول لراتب أعلى وتحصيل المزيد من المال.
فلو وجدنا معلمين ومعلمات يحبون ما يدرسونه للطلاب، لكان هناك الكثير من الطلاب المبدعين والمهتمين بالعلم، كما كان الوضع سابقا.
تمياتي لكل الطلاب في الوطن العربي بعام دراسي مميز.