عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هيام ضمرة - الأردن

وحي الجدات


هيام ضمرةما كان لجيهان أبدا أن تتنبأ بمثل ما حدث اليوم، وما ظنت أن ذلك سيلقيها في متاهة الدهشة إلى حد الضياع، وكأنما انقطعت بها السبل إلى رمل متحرك وكثبان تكاد تلتهمها قهرا ووجعا، وجع اللحظة الصادمة وقد بعثت شرارة قدحها في حزنها، بل غضبها، فانطلقت عنها زفرة ثورة حائرة، لازمتها لليال تالية راودها فيها الشجن، عكّر بالفوضى أفكارها واغتال على سحابة اللوم نومها، لا تفتأ الأفكار تنهشها كما الجوارح المنقضة على فريستها لا تتركها إلا أشلاء.

لماذا يحدث لها ذلك؟ ولماذا يخطئ الآخرون في ترجمة مشاعرها الطيبة، وكأنما الخير تمثال أحمق يسكن كتبا بأوراق صفراء؟، وهي ماذا بيدها أن تفعل؟ أتغضب وتثور، أم تدفن غضبها داخل مرجل قهرها وتغلق عليه المنافذ، وتكتفي بالرحيل والانكفاء؟

على الرغم من كونها امرأة أربعينية مات عنها زوجها، إلا أن مسحة النور وجمال التقاسيم أبت أن تفارق ملامحها، ظلت النضرة متشبثة على نعومة بشرتها، على ملامحها المشدودة بإشراق لافت، على ابتسامتها التي لعقت عذب سحر متوهج حتى الارتواء، على قدها الممشوق ونشاطه المرتهن على محض خطى واثقة تحرث المسافات بلا كلل.

وبينما كانت بمظهرها تبدو للآخرين أصغر سنا، كان داخلها يعيش سنها الحقيقي، بل إن أعماقها كانت تعيش سكرة الارتواء على نضوج خريف العمر، وتسعى إلى استغلال البقية الباقية من أيام النشاط في التقاط ما تساقط عنها قسرا من مشاريع تحقيق الذات، مكتفية بتجاهل لهاث النظرات النافحة حولها، مدعية عدم قدرتها على قراءة الإشارات. وعندما كانت تستخدم لغة كبار السن كان المحيطون بها يبدون استنكارهم، ويفسرون ذلك من قبيل التواضع أو خفة الدم.

لكنها ما كانت لتهتم كثيرا بآراء الآخرين، وما كان لأحد أن يخرجها عن طبيعتها في الرزانة والاتزان، أو يحرك ما تصلب داخلها من قرار، فقد نذرت نفسها طائعة لفنها، فهي صاحبة إبداع فني في مجال الفن التشكيلي، ويُشهَدُ لها بذلك من قِبَل نُقّاد الفن التشكيليين وهاويّي جَمعُه. ومعارض لوحاتها عبرت الحدود سادرة إلى الشهرة العالمية، بالأخص حين تحولت مشروعا لبطاقات المعايدة المنطلقة عن حدود أشواق المتواصلين، فقد لاحظ خبراء الرسم أنها تمتلك هوية خاصة في أسلوبها الفني، وأن لريشتها ضربات مميزة لا يماثلها في ذلك إلا قلة نادرة، وفي خلطة ألوانها إشراق ينهض على شرفة الحياة منتعشا.

هذه الشهادات منحتها الشهرة في مدة وجيزة، وحققت ما لم يحققه فنانون اهترأت في الألوان ريش رسمهم. انهالت عليها المقابلات الإعلامية، مخترقة حياتها حتى الخاص منها، أصبحت علما يعشعش الخبر في سرج راحلتها، وانهالت عليها العروض من كل صوب.

حقا كانت قد خرجت من عالم تقوقعها وصمتها بتشجيع من أبنائها الذين تعاطفوا مع كونها صاحبة إبداع مدفون، إلا أنها أخرجت فنها في مرحلة نضوجها ونضوج الرؤية عندها، هذا الفن الذي استطاع إخراجها من محنة الافتقاد، وعبأ وقتها بشهوة الإنتاج والإبداع.

لطالما حملت لقب الفنانة في مرحلة عمرها الفتي، إلا أن زواجها أخذها عنه بعيدا، أغرقها في متاهة المسؤوليات، وها هي اليوم تعود لتحلق في سماء الألوان من جديد، وتسكب إيحاءاته باندفاع وجداني رهيف، تعيش عالم اللوحة لحظة بلحظة، وهي تشرف على مراحل تكوينها وولادتها، حيث كل زاوية فيها تحمل إحساسا ناطقا.

كانت اللوحة في وجدانها رحما مخلقا، تبرز تكويناتها على هدأة النضوج مرحلة إثر مرحلة، وقد فاضت نفسها عن التقليدية، وآثرت الارتحال عبر ألوانها بأريحية المالك حدود نفسه.

منحت لوحاتها ألوان الحياة والطبيعة وهي تنضُدُ أشكالها كقيثارة ناطقة على نفحات وجدانية، تبثها إيحاءاتها، تزاوج بين الفنية الجمالية ومعاني الخير، وتأطرهما بفلسفتها الخاصة، لتحيلهما إلى تكوين فني منسجم داخليا، ومنسجم مع روحها، لتحصد لوحاتها كلمات الإطراء ويتعظم إحساسها بذاتها، ولتكتشف كغيرها ما كانت تجهله في قدراتها.

ورغم طبيعتها المحافظة فقد وجدت نفسها ترفض أدلجة أعمالها الفنية. أرادت العيش ضمن مساحة الحرية المؤطرة في ريشتها وهي تدرك تماما حدود انطلاقها، ففي داخلها قيم تمنحها عقلانية الموقف، فالأثر النفسي كان يحركها ويحرك خلطة ألوانها، فلا غرابة أن تنتزع لوحاتها نظرات الإعجاب وشهوة الامتلاك، فلرسائل لوحاتها لغة تأثير لا تقاوم، تشدُّ الاهتمام وتأخُذ بالألباب.

لم تعنها جدليات نُــقّاد الفن بقدر ما عناها هاجس الفكرة المسيطرة، حتى أنها كانت تعيش مخاض اللوحة إلى أن تصل بتكويناتها حدود القناعة بدرجة القبول، وهو ما كان يجعل لوحاتها تخرج إلى الحياة كاملة التكوين.

وصف الناقد الشاب روحي حافظ لوحاتها "بالوعي الموضوعي في الرؤية، والقوة في انعكاسات إيحاءاتها وفي تحفيز خيال المتلقي، حيث تخلق فيه مناخات نفسية وجمالية متوازنة تنسجم في سياق طبيعي مع الروح."

لم يزعجها اهتمام روحي بها وبلوحاتها. على العكس تماما وجدت أن اهتمام شاب بتخصصه وعمره بأعمالها الفنية له دلالة عظيمة على التواصل الإبداعي ما بين جيل الكبار والشباب، وهي حالة صحية أكيدة تنعكس بالإيجاب على الفن نفسه.

وعندما ظهرت بوادر الانسجام ما بينه وبين أبنائها أسعدها ذلك وهي تستشعر في روحي صورة الشاب المحافظ الذي تشي ملامحه الوسيمة بالهدوء والخجل، ولشدة ما كان يُظهره من دماثة في طبعه، فإنها شرّعت له ولزوجته الجميلة وأبناؤهما أبواب منزلها، يتبادلون الزيارات ودعوات العشاء. منحتهم قلب أم رؤوم، وعين حارس حريص، وصدرا يستوعب هفواتهم ومشاكلهم، مما طور علاقة الأسرتين ببعضهما إلى المثالية، فتأخذ أطفالهم باحتواء حنون، كمثل مشاعر جدة تأنس بأحفادها.

في ذلك اليوم زارها روحي وحيدا، واتخذا ركنا في زاوية حديقة منزلها الأثيرة، تحتويهما خضرة جميلة، وأزهار عابقة بالشذى العذب، يدعو سربا من العصافير اعتادت أن تحط على أفنان شجيرات حديقتها الكثيفة وتطلق في الأجواء معزوفتها، لتمازج انسكابات مياه النافورة الرخامية وهي تهدهد كيانهما، فيما يتسرب من داخل المنزل صوت غناء السيدة أم كلثوم في القصيد المغنى عابرا أجواء المكان، وكلمات قصيدها تطلق دهشة الإعجاب، فلا يألو روحي من أن يهز رأسه طربا.

بدا وكأنه مسكونا بسكرة حالمة ترسم تعابيرها على وجهه الوسيم، محلقا في دنيا غير ذي دنيا، حتى أنها وهي تتحدث حول مواضيع الفن ومنطلقاته، تستشعره مبتعدا في أفقه محلقا بالبعيد، وإذا به ينهض فجأة ليجثو على ركبتيه متشبثا بكفها بقوة معاندا قوة سحبها، وقال وعيونه تبث رسالة شجية:

"جيهان، اعذريني إن تجاوزت حدودي. اعذريني إن وجدتِ فيما سأقوله وقاحة متطاولة، ولكني لن أستطيع مداراة ما استشعره نحوك، فأنا هائم في حبك، مسحور بصفاتك، مسكون بطيفك، تلازمني صورتك ليلي ونهاري، بل إنك تختلطين بدمي وتتخللين شراييني ليتناغم نبضينا معا، إني لا أفتأ أحلم برأسي وهو يستريح على صدرك فيما أناملك تتخلل شعري."

شهقت جيهان مستنكرة فجائية الموقف وغرابته، هزتها بعنف المفاجأة، ووجدت عقلها يصطدم بهدير اللا معقول واللا منطق، لينتفض فيه الرفض كالبركان، وبقوة سحبت يدها لتقف متراجعة إلى الخلف ونظرة الاستهجان تلازم بالصخب ملامحها. تملكتها رغبة بصفعه، ولكنها عاجلت تراجعها وغرابة المشهد تلجمها وتشل عقلها فتتلعثم بالكلمات:

"أجننت؟ ما الذي دهاك؟"

ردد مؤكدا ونبرة صوته تتغير: "إني أحبك! وأريدك لي. لا أستطيع كتمان ما يعتمل داخلي، إني أتعذب."

اشتد هياجها والدماء الحارة تسكن بشرة وجهها، وتصلب حدقتيها:

"انهض من مكانك، وتذكر أنك في عمر ومكانة ابني، وأبناؤك بمثابة أحفادي، انفض جنونك عنك، ودع عنك الأوهام، انهض أرجوك فأنت تخنق أنفاسي."

نهض وحمل الخيبة يرهق كاهله دون أن تفارق عيناه بريق الوجد.

"جيهان، أرجوك: تفهمي مشاعري، والله ما كنت لأجاهر بها لولا أنها فاقت حدود احتمالي. أعرف تماما ما بيننا من فارق بالعمر، ولكن ذلك لا يعنيني ولا أعطيه بالا، ومن قال إن المشاعر تعترف بالفوارق العمرية. لماذا نتقبل حالة مسن يتزوج من شابة صغيرة ونستهجن عكس ذلك؟

صرخت وهي ترفع كفيها في الهواء استهجانا:

"كلا، أرجوك. ليس إلى هذا الحد. هذا الجنون بعينه ولا يحق لك تجاوز العرف والتقاليد، بل إنك بذلك تتعدى الخصوصية، إنك تجعلني أشعر بالغضب على نفسي. كلا أرجوك. أخرج من هنا حالا، فداخلي يلتهب بالثورة."

خرج منسحبا مطأطئ الرأس دون تمادي، يرفع في وجهها يده مهدءا ونظراته تقرأ خطوات التراجع على الأرض، ومؤكدا بذات الوقت عزمه على عدم التخلي عن حبه لها.

تركها في ذهولها تنتفض كطائر جريح. لماذا يحدث معها هكذا؟، ما الخطأ الذي ارتكبته حتى استثارت عواطف شاب يصغرها باثني عشر عاما؟ بل برجل ناضج له من الأبناء ثلاثة وزوجة في غاية الروعة والكمال. هل أخطأت إذ تعاملت معه بأمومة، وتعلقت بأطفاله كما أحفادها؟، أم هل هو يعاني عقدة أوديبية كاسحة تدير موجه بوصلته بالاتجاه الآخر؟

هي تلك المرأة الموهوبة التي اختارت التفرغ لفنها، ورفضت كل عروض الزواج رغم ما اكتنف بعضها من إغراءات، فقد أدركت معنى حريتها وتحملها قرار نفسها في أعقاب وفاة شريك حياتها، وكانت عاشت خدر حب زوجها لها، رسم لها حدود حياتها، وساق حياتها كيفما أراده هو بغض النظر عن رغباتها، وانصاعت لسلطته مخدرة بحبه وهيامه بها، لم تنتفض يوما لحقوقها، ولم تثر على محاصرته الناعمة لها.

حتى حين منعها زوجها من ممارسة هوايتها في الرسم، رضخت للاءاته وقبعت في كنفه لا تلوي شيئا، كان يخشى عليها البروز الاجتماعي والشهرة والاحتكاك، أو بالأحرى كان يخشى على نفسه فقدانها إذا ما انفتحت على العالم الخارجي، هي ذات العقدة الذكورية الأزلية بالاتكاء على الأسباب واتهام الأنثى بتهاوي دفاعاتها أمام إغراءات الذكور.

وها هي اليوم وهي تمزق أغلفتها وتنطلق مع ما تملكه من موهبة، تتعرف تكوينات نفسها وشكل قدراتها لمرتها الأولى، تتلذذ قياد حياتها بكل حرص وتوازن، تسعد بإنجازها، تحقق ذاتها المفقودة، وتنصاع لريشتها حتى تحرر ما في داخلها وتطلقه في عالم من الألوان والأضواء والإيحاءات وتعبئ لوحاتها بدلالاتها، فالرسم لملم أشلاء نفسها وروّضها لتشكل لنفسها عالم يستوعب خصوصيتها، فصار الفن وطنها وصارت هي بيته، ساعدها على أن تولد من نفسها بمخاض غير مرهق، ولم تكن في وقت مضى تدري أنها تستطيع ذلك، اعتمادها على ذاتها أطلق طاقة إبداعها وملكت بقبضتها عالمها.

أكثر ما أزعجها صعوبة منع الاحتكاك بروحي وهما من وسط واحد وكلاهما من أعلامه، وصعوبة الابتعاد عن زوجه وأطفاله وقد ربطتهم أواصر نفسية قوية، ثم صعوبة التحرك وسط أجواء مكهربة لن تأمن عواقبها، فصرخت متجاوزة صمتها:

لماذا؟ ما الذي حدا به اتخاذ مثل هذا الموقف؟ ما الذي شحنه بمثل هذه العاطفة الغريبة تجاهي؟ أي خطأ ارتكبته حتى ولّد لديه مثل هذه المشاعر؟، لطالما كنت أردد أنه بمثابة الابن لي، إذن أين الخطأ؟

دفنت رأسها الملتهب في وسادتها تسألها السلام، لكن القلق تاه في ملاعب التوتر ليرفع منسوب "الأدرينالين" في جسمها، فاضطربت كافة أجهزته، وأنى للسهاد أن يفارقها، كانت كالتي تتهاوى في بئر سحيق لا تكاد تدرك له قرارا، فالأمر الذي أتى به روحي ضربٌ من الجنون، لعله فعلا جُنّ وبجنونه قد يسحبها إلى مهاو هي في غنى عنها.

لا تدري لأي ساعة ظلت تطارحها الأفكار، ولا متى داهمها النوم وانسدلت أستار الغفوة على عقلها، كل ما تدريه أنها هبت من رقادها مذعورة على رنين هاتفها الخلوي، وأن الرعب تملكها حين طالعها اسمه الظاهر على شاشته، ورغم ذلك وجدت نفسها مدفوعة للرد عليه، وأنها خنقت كل ما بها من غضب وشنفت أذنيها لكلماته وأرهفت السمع، وتكلم هو قائلا:

"يسعد صباحك، التمني لك بصباح طيب هو كل ما أردته، لا يمكنني أن أتصور يوما من أيام حياتي دون أن ينساب صوتك الصباحي في أذني، ودون أن أتمنى لك يوما سعيدا، أعذري تطفلي، فما بي من مشاعر تجاهك لا سلطة لي عليه، ولا تستغربي أني مثلك أتساءل: متى ولدت هذه المشاعر وتضخمت، حتى أصبحت مدفوعا بها حد تفلت السيطرة؟

لم تتفوه جيهان ببنت شفة، وكأنما انقلب لسانها إلى قعر حلقها، إنما كانت تستشعر الخدر يأكل أطرافها وحواسها، لا تدري على أي وجه انتهت به المكالمة، ومن منهما بادأ بإغلاق الخط أولا، ولكنها سارعت إلى حقيبة سفرها تملأها بالملابس، وعندما فاجأها ولدها وهي تجمع حاجياتها، قالت له دون تفكير:

"لن أستطيع التخلي عن فكرة سفري هذه الساعة، قد يكون قراري مفاجئا، ولكني أحسست أن صوت أبي يناديني بوهن."

"ما الذي حدث يا أمي؟ ألم نتحدث إلى جدي أول أمس وكان على أفضل ما يرام؟"

"كلا يا ولدي، هاجس نداءه يملأ سمعي. لا تكفيني مهاتفته للاطمئنان عليه، أنا بحاجة للارتماء في أحضانه ولعق أصبعي كعهد طفولتي، أريد استشعار الأمان."

رد ومسحة الاستغراب تتمدد على وجهه:

"بالتأكيد لن يحول أي منا فيما ترغبين، إنما امنحينا فرصة أن نحجز لسفرك."

"بل نذهب معا وحقيبتي ثالثتنا."

غابت جيهان وامتد بها الغياب، أغلقت كافة وسائل الاتصال، إلا خطا خاصا يصلها بأبنائها، وانهمكت في مرسمها الذي أعده لها والدها، مستغرقة بعمل دؤوب، قلما تجالس أحدا، ولا تفتح منافذ للحوار مع أحد، غرقت مع الألوان أو بها، صارت لونا جديدا يشرئب بضيائه، دبت بها حياة من لون جديد.

بعد فترة حملت أدوات رسمها وانطلقت إلى الطبيعة الناضجة متلقفة إلهاماتها، تغرق لوحاتها بالإيحاءات، وتلقمها بالترميزات، لا تنتهي من لوحة إلا لتبدأ بأخرى، ولا تبدأ بأخرى إلا لتضع فيها الجديد المبدع، وحين أحست بالاكتفاء، لملمت أشياءها وحملت منجزها وعادت إلى مدينتها، وما هي إلا أيام حتى كانت دارة الفنون الجميلة تعلن عن يوم افتتاح معرضها برعاية أحد المسؤولين.

لم يفاجئها أن يكون روحي أول الضيوف الحاضرين بباقة زهوره المميزة وعلى يمينه زوجته وأبناؤه، ولم تستغرب منه ذلك الاستغراق أمام لوحاتها، فهو ناقد يجيد قراءة الدلالات ويلتقط ببساطة الإيحاءات، فقد قرأ بوضوح الرسالة الفنية التي تحملها، وتأكد له الهدف من معرضها، ليدرك ما عناه عنوان المعرض: "وحي الجدات"، مما جعله يغوص بالإرباك والحرج، ويدرك علاج نفسه دون مشارط جارحة وعمليات بتر صادمة. كان وجه روحي يتلون مع قراءة دلالة كل لوحة، وهي متجمدة في مربعها ترقبه بلا تحول، لتفاجئها في نهاية الطواف عيونه وهي تحبس قدرا من الدمع.

غاب روحي بقية أيام المعرض ولأشهر تالية قبل أن يصل لمسامعها أمر تعاقده للعمل في الخارج، إلا أنها عثرت في أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة بالفنون قراءة نقدية غاية في الروعة تتناول لوحات معرضها مذيلة باسم روحي حافظ، خاتما نصه برجاء: ألا يفقد أبناؤه نعمة حنان هذه الجدة المعطاء.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2008     A هيام ضمرة     C 0 تعليقات