عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 3: 25-36 » العدد 32: 2009/01 » الخطوة المليون + عيد ميلاد سعيد في يوم لا يأتي

أمل النعيمي - الأردن

الخطوة المليون + عيد ميلاد سعيد في يوم لا يأتي


أمل النعيميالخطوة المليون

ترى ماذا يفعل الإنسان عندما يدرك أنه اختار طريق المليون ميل ووصل الخطوة المليون وما يزال هناك الكثير الكثير؟

ماذا يفعل عندما يستدير خلفه فلا يرى البداية لأنها أصبحت أبعد من مدى الرؤيا وهو يريد العودة بعد أن أتعبه الانتظار؟

ماذا يفعل عندما ينظر أمامه فلا يرى النهاية لأنها كانت أبعد من مدى الرؤيا بعد أن خانه القرار؟

ماذا يفعل عندما يستدير هنا وهناك باحثا عن وجوه مألوفة، يسعفه الخيال في رؤية الوجوه لكن أدوار الاستحالة التي مرت بها النفوس تجعله يستغيث بعمى البصر والبصيرة؟

ماذا يفعل في قحط البيداء والسراب مملوءا ماء وقحط السماء وغيثها يشهق من البكاء وقحط الهواء الهارب من الجسد المملوء بالنقاء؟

ماذا يفعل عندما تفاجئه الساعات بإصرارها على أن تشل عقاربها وزمنه يجري بزحافات الجليد؟

قد يبدو الموت حلا مناسبا لكن لعبة التحدي التي تشغف بها الحياة تجعله يشهر في وجهها سلاح البقاء؟

يتثاءب وهو يشتهي السهاد. هل يستطيع الاستمرار في أفكاره المتسلسلة المنسدلة من جعبته الخرقاء؟ لأن الكثير قليل عندما نقحم أخطاءنا في طريق المليون ميل.

يفيق من صحوته ويطيل النظر إلى سريره الذي لا يتجاوز المترين. يرفع قدميه بحذر حينما تكادا تلامسان الأرض. يتمدد. آآآآآآآآوه. يستسلم لوسن آمن، غير آبه بما مضى وما سيأتي، منكرا تماما أمام ذاته أنه كان ينوي اليوم شراء سرير جديد.

::

عيد ميلاد سعيد في يوم لا يأتي

كل عام وأنا بخير. آسفة. لن أستطيع إهداءك ما تمنيت أن أهديه لك يوم عيدي: أن أرحل بعيدا جدا جدا.

لن أرحل من هنا ليس عنادا، لكن الرحيل رغما عني بات مستحيلا. إنني أعتذر عن وجودي هنا ولكن هنا بدأت وانتهيت، هنا أيقظت في أنوثتي ثم ودعتها في سبات أبدي فمن يضع أكليل زهر ضبابي في يوم كانون ممطر عاصف صاعق البرودة فوق نعشها سواي؟

هنا تفجرت ينابيع دموعي من محاجر عين متحجرة انتظرت انهمارها طويلا فصارت مصدر ارتوائي الوحيد وأنا أرفض الرحيل الظامئ.

هنا سرقتني من نفسي ولا أدري كيف وجدت مفتاحها الذي عشت عمري أبحث عنه ووقفت أراقب تفاصيل السرقة بمنتهى السعادة والتفاؤل.

قد أغفر لك أنك لم تصنها كما وعدتني ولم تحملها فوق رموشك إذا زلزلت الأرض تحتها كما طمأنتني لكنني لن أغفر لك أنك حين مللتها لم تعدها إليّ لكي أواريها الثرى فتريح وأستريح.

لا تحمل هم وجودي هنا لأني لن أطلب منك بعد الآن أن تتذكرني، أعرف أنني لم أعد أحتل أي مساحة في عمرك المديد وعمري المتقزم ولا يعقل أن يطلب أحد تذكر اللاموجود.

لن أعاتبك لأنك لم تعد تسأل عني فقد كان السؤال يوم كنت أمامك أحجية تحدت العالم في فك طلاسمها وكان في حياتك شيء لم ولن أفهمه أردت الخلاص منه فبدأت تفكر بي ولأنك عبقري الذكاء لم يكن حل الأحجية صعبا وفي زمن قياسي عجيب، انتهى الشيء الغريب من حياتك فانتهت اللعبة!!1 عفوا فهي لم تنته لأنك حولتني إلى أحجية جديدة أحاول فك طلاسمها بلا جدوى رغم السنوات التي مرت والتي ستأتي وتمر كسواها، منتهى الظلم أن أعاتبك على غبائي فمن ظلم لا يظلم.

قد يتغير عنواني، معالم وجهي، نبرة صوتي، قلمي وريشتي، شيء واحد فقط لن يتغير رغم محاولاتي الانتحارية في تغييره، شيء خارت قواي وأنا أنتظر يوم الخلاص منه لكنني أعلم تماما أنه لن يأتي، هذا الإحساس بطيفك الذي يلتصق بي ويباعد بيني وبين ظلي، جرحك المزروع في سويداء قلبي كلما نبض، وجهك المرسوم فوق وسادتي وأنا أمسح وجهي فيه كل ليلة علني أحس بالأمان، عجزي عن اغتيال أشواقي بعد أن خانني النسيان، يأسي من المستقبل وماضيك يربض أمام بابه كالسجان، عيناك اللائي خبأتهما تحت جفوني لتطلا علي كلما أغمضتهما كي لا أراك.

أعتذر بشدة لأني لا أستطيع الرحيل وأنت تندس في حقائب سفري وحبك كالطفل يتشبث بأطراف ثوبي.

آسفة لأني أقحمتك في أسطورتي الخرافية ووضعتها بجانب الكتب القدسية وجعلت منها أغلى كتاب.

إن استطعت أن تخلصني من كل ذلك فلن أحتاج إلى مجرد التفكير في الرحيل لأن خلاياي ستتحول إلى أقطاب متنافرة تتباعد وأتلاشى قبل الرحيل ولكن، حتى وان حدث ذلك ستظل تسكن ذاك الشيء الذي كان أنا.

وان أردت أن تلملمني يوما ما لأعود فستعرف كيف وسيفهم الله كلماتي لأن الله محبة ولكن لا تنسخني أرجوك لأني لا أضمن أن ترضى الروح التي ستسكن نسختي بتقديم نفسها قربانا في محراب حبك الذي لا يعرفه سواي ولا يضحي من أجله سواي فلا تقتلني مرتين.

كل ثانية، كل دقيقة، كل ساعة، كل يوم، كل أسبوع، كل شهر، كل سنة، كل قرن، وأنت حبيبي إلا يوم ميلادي المصادف الثلاثين من شهر شباط عام...؟

D 1 كانون الثاني (يناير) 2009     A أمل النعيمي     C 0 تعليقات