مختارات: نزيه أبو نضال - الأردن
الشاعر كمال ناصر ومجلة "فلسطين الثورة"
.
.
أدناه مقتطف من كتاب عنوانه "مذكرات: من أوراق ثورة مغدورة". يتألف الكتاب من حوار مع المناضل نزيه أبو نضال (غطاس صويص)، وهو كاتب وناقد من الأردن، وكان التحق بحركة "فتح" في أواخر الستينيات. أجرى الحوار زياد منى. الناشر: دار قدمس، دمشق (2013). يتعلق المقتطف بالمناضل كمال ناصر، أول رئيس تحرير لمجلة "فلسطين الثورة"، الذي اغتالته قوات إسرائيلية في بيروت مع كمال عدوان وأبو يوسف النجار عام 1973.
.
.
.
استمر صدور جريدة "فتح" في بيروت عن إعلام فتح الذي كان يقوده أبو حاتم إلى أن جرى توقفها من أجل توحيد الإعلام المركزي الفلسطينـي من مختلف الفصائل في مجلة "فلسطين الثورة"، وكلف كمال ناصر برئاسة تحريرها بمساعدة حنا مقبل ونزيه أبو نضال، وشارك من ممثلي التنظيمات: نبيل أبو جعفر (جبهة التحرير العربية) وسيمون خوري (الجبهة الديمقراطية) ونازك الأعرجي (الجبهة الشعبية) وسلوى العمد (فتح) وممثلين عن جبهة النضال وجبهة التحرير الفلسطينية، وهدى حمودة، وآخرون.
عرفتُ كمال ناصر عن قرب ولزمن طويل نسبيا، إذا ما قيس بزمن الموت السريع الذي كان يتخاطف الأصدقاء والقادة من حولي في كل لحظة، فقبل أن نعمل معا في مجلة "فلسطين الثورة" (من حزيران 1972 إلى استشهاده في 10 نيسان 1973) كانت علاقتـي بكمال ناصر تتمثل بلقاءات عمل متفرقة ومتباعدة، ابتدأت في إعلام منظمة التحرير الفلسطينية في عمان في أواخر العام 1969، ثم بعد أيلول 1970. كنت حينها في جريدة "فتح" فيما كان كمال ناصر يعمل رئيسا لدائرة الإعلام والتوجيه القومي، وكانت تجمعنا مع حنا مقبل وإبراهيم بكر جلسات عمل شبه يومية لمناقشة الخط السياسي الإعلامي، ثم تكررت لقاءاتنا في مكتبه ببيروت كأعضاء في اللجنة التحضيرية للاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين.
عندما تشكل الإعلام الفلسطينـي الموحد، ظل هاجس كمال ناصر كيفية إنجاح تجربة الوحدة الوطنية داخل الإعلام الموحد، رغم التناقضات الشديدة القائمة من جهة، ورغم عدم الجدية من قبل بعض الأطراف من جهة ثانية. وخلال عمله، تميز كمال ناصر دائما بروح ديمقراطية عالية، فكان خط الإعلام والمجلة يرسم في اجتماعات أسبوعية للكوادر الإعلامية، وفي ضوء الموقف السياسي العام لمنظمة التحرير.
كمال ناصر كان يفرح كثيرا حين يصطدم موقفه مع حماسة بعض الكوادر تجاه هذا الموقف أو ذاك. وكان يقول لنا بعد كل اجتماع عام: هذه الروح الشابة وهذه الحماسة التـي تصل إلى درجة التطرف أحيانا هما ضمانة الثورة واستمرارها. كثيرون غير كمال ناصر كانوا يستسهلون إصدار القرار، لكنه كان يؤمن بالحوار وبصراع الأفكار والمواقف والاتجاهات: إن قرارا جماعيا خاطئا هو أكثر صوابا من قرار فردي صحيح. وهنا بالذات يكمن سر القوة عند كمال ناصر، لأن الإيمان بالديمقراطية وممارستها عمليا يكشفان قوة صاحبها، قوته الداخلية وليس قوة السلطة والقرار.
افتتاحيات "فلسطين الثورة" كانت تكتب أسبوعيا وفق تقليد لم يتغير. قبل موعد كتابة الافتتاحية، كنا نعقد اجتماعا ثلاثيا: كمال ناصر وحنا مقبل (أبو ثائر) وأنا، نتفق على الموضوع ونحدد عناصره الأساس. كان هو من يكتب الافتتاحية معظم الأحيان، وكنت أكتبها بتكليف منه أحيانا، وفي أحيان أخرى كان يكتبها حنا مقبل.
أن تكون في صلب العمل اليومي بمشاغله وتفاصيله وهمومه وصراعاته، وأن تظل في نفس الوقت قادرا على المشاهدة الكلية للوحة الثورة، وقوانينها العامة، واستراتيجيتها العليا، هذا هو كمال ناصر: وحّد النظرية بالممارسة، كما وحّد الشعر بالسياسة.
وعبر هذه الشبكة من العلاقات الجدلية المعقدة يتكامل عند كمال ناصر الذاتـي مع الموضوعي. وهو حين يوحّد الممارسة بالنظرية، والشعر بالسياسة، يظل قادرا على إقامة سور صين عظيم بين أطراف هذه العلاقة الموحدة والواحدة، حتى لا يطغى أحدهما فيختل قانون الثورة وقانون السياسة وقانون الإبداع.
هذا الرجل ونحن معه في الإعلام الموحد اصطدمنا بأطروحات المرحلية في الساحة الفلسطينية، فكان ان تحولت مجلة "فلسطين الثورة" إلى ساحة معركة للدفاع عن الثوابت الوطنية وعن البرنامج الاستراتيجي للثورة.
عرفات يحاصر "فلسطين الثورة" ماليا
حاول ياسر عرفات وقف حملتنا ضد المرحلية وفكر التسوية، دون جدوى، فلجأ إلى سلاح المال، حيث كان يسيطر آنذاك على ماليتـي فتح ومنظمة التحرير، فأوقف دفع فواتـير طباعة المجلة التـي تطالب بها مطبعة تجارية لبنانية، فتعاظم الدين حتى وصل إلى أكثر من 90 ألف ليرة لبنانية، كما تعاظمت مطالبات أصحاب المطبعة بتسديد ما لهم من ديون، وهددوا بوقف طباعة المجلة. وقد عقدنا اجتماعا رباعيا للبحث في إيجاد حل مالي بديل: كمال ناصر وابو حاتم لموقفه الداعم لموقفنا، وبصفته مسئول إعلام فتح وحنا مقبل وأنا، فاقترح كمال ناصر وقتها القيام بحملة اكتتاب عربية لتمويل المجلة، وبدأنا التخطيط للبدء بجولات عربية لهذا الغرض. ولكن رصاصات الموت في الفردان كانت أسرع، ففي ليلة العاشر من نيسان 1974 سقط كمال ناصر شهيدا، ومعه القائدان الشهيدان كمال عدوان وأبو يوسف النجار.
ورغم الحصار المالي، واصلنا التصدي لفكر التسوية الذي تزايد منظّروه بعد حرب تشرين 1973، وتابعنا مقاومتنا من خلال مجلة "فلسطين الثورة" دفاعا عن برنامج تحرير فلسطين، فرفضنا أي أدبيات تنزل في مجلة "فلسطين الثورة" خارج إطار هذه الاتجاه، وضاعفنا هجومنا الساحق على الجبهة الديمقراطية وأطروحاتها، وهنا صار لا بد من تغيير طاقم الجريدة، فنقل أبو حاتم من الإعلام إلى العلاقات الخارجية، فيما تابعت أنا وحنا العمل بالمجلة والإعلام.
= = =
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي